يتشرف منبر جمعية اللبنانية لبناء السلام والتنمية المستدامة أن ينشر جزءا هاما من عظة المطران الياس عودة، يوم الأحد في 25-10-2020
بِاسمِ الآبِ والابنِ والروحِ القدس، آمين.
على باب إحـدى الجامعات في جـنـوب أفريـقـيا عُـلّـق ما يلي:
«لا يحتاجُ تدميرُ بلدٍ إلى صواريخ بـعـيدة المدى أو أسلحة دمار شامل. يكـفـي أن تُخـفَّـضَ نوعـيةُ التعليم ويُسمحَ بالغش في الامتحانات ليحـصلَ التالي:
يموتُ المرضى على أيـدي أطبائهم
تــنهارُ الأبـنـيةُ على أيدي مهندسيها
تضيعُ الأمـوالُ على أيدي رجالِ الاقتصاد والمال
تمـوتُ الإنسانيةُ على أيدي علمائِها
تضيعُ العـدالةُ على أيدي القضاة.
إنّ انهيارَ الـثـقافـة هو انهـيارٌ للأمة».
هــذا القــولُ جديــرٌ بالتأمل، …..
إنّ الدولَ تُبنى بالأخلاق، بالـثـقـافة، بالتربيةِ الصالحة والتعليمِ الجاد، وإلاّ حصلَ ما ذكرناه في الـقـولِ المعـلّق على باب الجامعة.
الجميعُ يعـرفُ أنّ للتربيةِ دوراً مهماً في حياةِ الشعــوب والمجتمعات لأنها عمادُ البنيانِ والتطوّر، وهي وسيلةٌ أساسيةٌ من وسائلِ البقاءِ والاستمرار، تكــوّنُ شخصيةَ الإنسان وتصقــلُ قــدراتِه وتعـمّـقُ ثقافــتَـه ليـتـفاعـلَ مع محيطِه ويُسهمَ في نموِّه بفعالية. إنَّها مجالُ الـتـقـدّمِ والـرقي والـنمـو والكمال والتطوّر الدائم.
التربيةُ تبني خُـلُـقَ المتعلّم وتـنمّي فـيه الفضائلَ التي تصونُه، والمواهـبَ التي منحَه إياها الله، ليصبحَ عضواً فاعلاً في مجتمعه ومواطناً صالحاً صحيحَ الـتفـكـير، يعي مسؤولياتِه، ويدركُ واجباتِه، ويحـبُّ وطـنَـه ويخـدمُه بأمانةٍ وإخلاص.
التربيةُ هـي العـملُ المنسَّقُ الهادفُ إلى نـقـلِ المعـرفةِ الـتي تـكـوّنُ الإنسانَ وتــؤهّــلُـه للحياة.
إنها مسؤوليةٌ كبيرةٌ، بل رسالةٌ لمن يعـرفُ أهميتَها، وعاملٌ مهـمٌ في بناءِ الدولةِ العصريةِ الحديثة التي تتماشى مع الحضارة وتواكـبُ الـتـقـدّم.
لكنّ المؤسفَ في لبنان أنّ التربيةَ ليست في سُلّمِ أولوياتِ الحكّام، ووزارةُ التربية من الوزاراتِ الثانوية التي لا يتسابقون من أجـل الحصولِ عليها وإدارتِها بأفـضل الطرق كونَها العمودَ الــفـقـري للدولة وصانعةَ الأجيال.
إنّ قطاعَ التربية يتراجعُ سنةً فسنة، والأسبابُ عديدة، لكنّ أهـمَّها إهـمالُ الدولة المزمن للقطاع التربوي، والتخـبّطُ في الـقــرار، والخططُ الارتجالية أو غـيـرُ القابلة للـتـنـفـيـذ، وضرورةُ التعليمِ عن بُعْد، وتعطيلُ دور المركز التربوي، بالإضافة إلى الانهيارِ الاقتصادي والـتـفـلُّتِ الأخلاقي وعـدمِ الـتـنسيق بين الـوزارات (التربية والصحة). وقـد زادتْ الأزمةُ الصحيةُ الأمورَ تعـقــيـداً، بالإضافة إلى انـفـجارِ المرفأ، ما سبّبَ غموضاً في مصيرِ العام الدراسي.
إنّ الاستثمارَ في التربيةِ استـثمارٌ في الإنسان وتـنميةٌ للمواردِ البشرية التي تــؤدي إلى نموِ الاقــتصاد وازدهـارِ البلد. لكـنّ التحـدياتِ الـتي تـواجهُ الأسرةَ التربوية من مؤسساتٍ تعليمية ومعـلّمين وذوي طلاب تهـدّدُ مصيرَ التعـليم في لبنان. إنّ ازديادَ الأعــباءِ عـلى المدارس الخاصة بشكـلٍ هـائـل، وتـراجعَ أحـوالِ ذوي الطلاب، وعـدمَ قـدرةِ الـمـدارس الرسميةِ على الاستيعاب، أمورٌ تجـعـلُـنا في مأزقٍ كبير.
إنّ التعليمَ الإلزامي ضروريٌ وهو حقٌ لكلّ طفل، ومن واجبِ الدولة تأمينُ هذا الحق في مدارسِها الرسمية التي يجب أن تكونَ مفخرةً لها ومقصداً لجميع أبنائِها. أما من شاءَ أن يتلقى أولادُه العلمَ في المدرسةِ الخاصة فعليه أن يتحمّلَ مسؤوليةَ قرارِه ويقومَ بواجبِه تجاه المدرسة التي اختارها، لتتمكنَ من الاستمرارِ في رسالتِها. (المفارقة في لبنان أنَّ الدولةَ تُعطي أساتذةَ التعليم الرسميّ منحاً لتعليم أولادِهم في المدارسِ الخاصة).
إنّ التعليمَ ليس سلعةً بل رسالةٌ ومسؤولية. وتخلّي الدولة عن واجباتِها بالإضافة إلى تجنّي لجانِ الأهلِ على المدرسةِ الخاصة وحملاتِ التضليل التي تقودُها ضدَّها سوف تــؤدي إلى انهيارِ المؤسساتِ التربوية الخاصة، مع ما يستتبعُه ذلك من نتائج كارثية على الصعدِ التربويةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ، سوف تنعكسُ على المتعلّمين وأفرادِ الهيئة التعليمية وجميعِ العاملين في هذه المؤسسات.
وباءُ الجهلِ أخطرُ من وباءِ كورونا، والخطران على الباب، وعلى الدولةِ تحمُّلُ مسؤوليتِها قبل فواتِ الأوان. نحن بحاجةٍ إلى قيادةٍ تربويةٍ مسؤولةٍ تعي أنّ التكاملَ بين التعليمِ الرسمي والخاص ضروريٌ من أجل القيامِ بالرسالةِ التعليمية والتربوية، وأنّ عليها حمايةَ التعليم من أجل حمايةِ الوطن وإنقاذِ أجيالهِ الطالعة. عسى أن يتِمَّ اختيارُ وزيرٍ للتربية من ذوي الإختصاص والخبرة، يعي المسؤوليَّة الكبيرة المُلقاة على عاتِــقِـه ويتصرّفُ بحكمةٍ ودرايةٍ، دون كيديَّةٍ أو انحياز…..