Menu Close

في إطار البحث في موضوع الإصلاح في القطاع التربوي، إخترنا هذه الدراسة المفيدة والتي سنتبعها بدراسات عديدة مماثلة تغني النقاش في هذا الموضوع. نشرت هذه الدراسة عام 2010. ولكن عناصرها ما زالت مفيدة جدا لمن يبحث في وضع فكرة إصلاحية للقوانين الوطنية اللبنانية بهذا الصدد.

عشرون عامًا على اتفاق الطائف: ماذا فعل المشرِّع اللبناني وماذا نفَّذ من إصلاحات في القطاع التربوي؟

مجلة الجيش اللبناني:

العدد 72 – نيسان 2010
إعداد: د. عدنان الأمين
خبير لدى الأونسكو وأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت

وضع اتفاق الطائف (1989) نهاية للحرب في لبنان التي بدأت إرهاصاتها العام 1970 واندلعت العام 1975. وتضمَّنت وثيقة الوفاق الوطني التي خرج بها الاتفاق أمورًا عديدة أبرزها ثلاثة: إقرار «هوية» للبنان كان هناك اختلاف حولها في إبان الحرب، وتغييرات في النظام السياسي (وتوزيع السلطة فيه) الذي دارت حوله سابقًا نزاعات أيضًا، وعدد من الإصلاحات (أو عناوين الإصلاح) كان القصد منها إرساء بنية إدارية – إجتماعية – إقتصادية تقوم عليها دولة ما بعد الطائف (ذات الهوية والنظام السياسي الجديدين) وتعالج أمورًا كان هناك جدال حولها في فترة إرهاصات الحرب. وقد شملت هذه الإصلاحات ستة قطاعات: الإدارة (اللامركزية الإدارية)، القضاء (المحاكم)، قانون الانتخابات النيابية، إنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي للتنمية، التربية والتعليم، الإعلام.

في الشأن التربوي نصَّت وثيقة الوفاق الوطني على الأمور الآتية:

1. توفير العلم للجميع وجعله إلزاميًا في المرحلة الابتدائية على الأقل.

2. تأكيد حرية التعليم وفق القانون والأنظمة العامة.

3. حماية التعليم الخاص، وتعزيز رقابة الدولة على المدارس الخاصة وعلى الكتاب المدرسي.

4. إصلاح التعليم الرسمي والمهني والتقني، وتعزيزه وتطويره بما يلبِّي ويلائم حاجات البلاد الإنمائية والإعمارية، وإصلاح أوضاع الجامعة اللبنانية وتقديم الدعم لها وبخاصة في كليَّاتها التطبيقية.

5. اعادة النظر في المناهج وتطويرها بما يعزِّز الانتماء والانصهار الوطنيين، والانفتاح الروحي والثقافي وتوحيد الكتاب في مادتي التاريخ والتربية الوطنية[1].

يهدف هذا البحث إلى عرض ما نصَّت عليه اتفاقية الطائف بشأن القطاع التربوي ومناقشته من أربع زوايا هي:

1) إلى أي حد قدمت الوثيقة عناصر جديدة مقارنة مع الدستور اللبناني؟

2) إلى أي حد عالجت الوثيقة القضايا الكبرى في القطاع التربوي؟

3) الى أي حدٍّ قام المشرِّع اللبناني بإصدار القوانين اللازمة لتأطير اتخاذ القرارات بشأن هذا القطاع؟

4) إلى أي حدٍّ نُفِّذَت البنود الإصلاحية الواردة فيه؟

وتجري هذه المناقشة من ثلاثة منطلقات: الأول أن السياسة التربوية لا يجب أن نفتِّش عنها في ما يُتَّخذ من قرارات (أو تشريعات) فحسب بل في ما لم يتخذ منها أيضًا، أي هي حاصل ما قيل وما لم يقل، ما تم فعلاً وما لم يتم أصلاً. والثاني أن التغيُّر التربوي هو نتيجة أو علامة على حصول تغيُّر اجتماعي على النطاق الأوسع للمجتمع، فإذا لم يحصل تغيُّر تربوي يكون ذلك علامة على أنه لم يحصل تغيُّر اجتماعي، والثالث أن النزعة إلى التغيير تحملها قوى في المجتمع ولكنها لا تتمكَّن من ذلك في فترة معينة بسبب تشتُّتها وضعفها إزاء ثلاث طبقات من القوى المحافظة على الوضع القائم هي القوى المؤثرة، والقوى النافذة، والقوى المسيطرة.

أولاً: الدستور اللبناني

نص الدستور اللبناني في مادته العاشرة على ما يأتي:

«التعليم حرٌّ ما لم يُخِلّْ بالنظام العام أو ينافي الآداب أو يتعرض لكرامة أحد الأديان أو المذاهب ولا يمكن أن تمس حقوق الطوائف من جهة إنشاء مدارسها الخاصة، على أن تسير في ذلك وفاقاً للأنظمة العامة التي تصدرها الدولة في شأن المعارف العمومية».

الملفت في هذه المادة الوحيدة عن التربية والتعليم – التي وضعت في دستور العام 1926 (في عهد الانتداب الفرنسي) واستعيدت كما هي في جميع التعديلات الدستورية مرورًا بالقانون الدستوري عند الاستقلال (1943) وصولاً الى القانون الدستوري ما بعد الطائف (1990) – أنها تتعلق بحرية (أو حق) الجماعات (والأفراد) في إقامة المدارس وليس بحق الأفراد في الحصول على التعليم. ولا ينصُّ الدستور على واجبات الدولة تجاه المواطنين في ميدان التعليم كما يفعل الكثير من الدساتير في البلدان العربية[2] وبلدان العالم[3].

لقد سدَّت وثيقة الوفاق الوطني جزئيًا هذا الفراغ في الدستور اللبناني، وإن لم يدخل ذلك في صلب الدستور بموجب الفانون الدستوري العام 1990، كما حصل مع مقدمة الدستور أو بعض المواد الأخرى منه. فقد نصَّت الوثيقة كما ذكرنا أعلاه على «توفير العلم للجميع وجعله إلزاميًا في المرحلة الابتدائية على الأقل». لكن الوثيقة عينها اهتمت مجدَّدًا بحرية إقامة المدارس على أن تخضع للقوانين المعمول بها، من خلال بندين من أصل خمسة بنود تتعلَّق بالتعليم في الوثيقة: «التأكيد على حرية التعليم وفقاً للقانون والأنظمة العامة»، و«حماية التعليم الخاص وتعزيز رقابة الدولة على المدارس الخاصة وعلى الكتاب المدرسي».

هكذا يكون لدينا ثلاثة بنود في الوثيقة تتصل بالدستور. أما البندان الباقيان فيتعلقان بمجموعة من الإصلاحات المنشودة في هذا القطاع التربوي. لذلك ننتقل الآن إلى البحث في هذه الإصلاحات وما حصل فعلاً فيها على مستويي التشريع والتنفيذ.

 ثانيًا: توفير التعليم للجميع وجعله إلزاميًا في المرحلة الابتدائية على الأقل:

في العام 1972-1973 كان معدل الالتحاق المدرسي للفئة العمرية 6-11، المقابلة للمرحلة الابتدائية، %93,7، وللفئة العمرية 11-15، أي المقابلة للمرحلة المتوسطة، % [4]81,3. أي أنه كان هناك %6,3 من الأطفال من الفئة الأولى و%18,7 من الأطفال من الفئة الثانية خارج المدارس قبل اندلاع الحرب. وقبل اتخاذ أي تدبير من قبل الدولة لتأمين التعليم للجميع وجعله الزاميًا، والعام 1996 تحديدًا، كان معدل الالتحاق المدرسي للفئة العمرية المقابلة للمرحلة الابتدائية قد ارتفع إلى %96 فيما وصل معدل الالتحاق للمرحلة المتوسطة إلى  [5]%87، وذلك نتيجة الطلب الاجتماعي على التعليم، على الرغم من ظروف الحرب السابقة. وبالتالي بقي %4 ممن هم في عمر 6-11 خارج المدارس، و%13 ممن هم في عمر 11-15. هؤلاء كان يفترض بقانون للتعليم الالزامي، تطبيقًا لوثيقة الوفاق الوطني، أن لا يبقوا خارج المدارس، وهم عمومًا من سكان المناطق البعيدة والفقيرة ولا سيما في قضاءي عكار والهرمل وبعض جيوب الفقر في ضواحي العاصمة بيروت.

إنتظرنا حتى العام 1998 عندما صدر قانون[6] بمادة وحيدة جاء فيها «التعليم مجاني وإلزامي في المرحلة الابتدائية الأولى وهو حق لكل لبناني في سن الدراسة الابتدائية. تُحدَّد بمرسوم يُتَّخذ في مجلس الوزراء شروط تنظيم هذا التعليم المجاني الإلزامي». ولقد حَصَرَ هذا القانونُ الإلزامَ بالتعليم الابتدائي فحسب، علمًا بأن مشكلة التسرُّب المدرسي أكبر حجمًا في التعليم المتوسط، وبأن هيكلية التعليم الجديدة، التي صدرت العام 1995، وضعت المرحلتين الابتدائية والمتوسطة ضمن مصطلح واحد هو «التعليم الأساسي» (الصفوف 1 – 9). وبموجب هذا المفهوم, على جميع الأطفال اللبنانيين أن يحصلوا على تعليم «أساسي» مدته تسع سنوات دراسية، يتزوَّد خلاله التلميذ المعارف والمهارات والقيم «الأساسية» قبل أن ينتقل إلى مراحل أخرى أو يترك المدرسة. هذه الهيكلية اعتمدت العام 1995 وما زال معمولاً بها حتى اليوم. المهم، أن القانون المذكور لم يأخذ بالاعتبار هذا المفهوم المقرَّر رسميًا والتي وُضِعَت على أساسه مناهج التعليم لاحقًا (1997). ثم أن هذا القانون صدر في لبنان متأخرًا عن نصف الدول العربية تقريبًا وجميع الدول المتقدِّمة (التي تشرِّع عادة إلزامية التعليم ما بين سني الخامسة عشرة والسابعة عشرة). وأخيرًا، أو ثالثة الأثافي كما يقال، صدر هذا القانون من دون مراسيم تشرح كيفية تطبيقه وبقي بالتالي حبرًا على ورق.

في هذا الوقت، وبناء على ضغوط من منظمة اليونسكو، عملت وزارة التربية على وضع «خطة العمل الوطني للتعليم للجميع في لبنان» (2003-2015)، لكن مصيرها صار مجهولاً لاحقًا لأنها لم تقر رسميًا.

خلاصة الأمر، وفي ما يتعلَّق بهذا البند من بنود الوفاق الوطني، فإن السلطتين التشريعية والتنفيذية ما زالتا، بعد عشرين سنة على صدور الوثيقة، قاصرتين عن الوفاء بما نصت عليه[7].

ثالثًا: إصلاح التعليم الرسمي والمهني والتقني وتعزيزه وتطويره بما يلبي ويلائم حاجات البلاد الإنمائية

لا نعرف ما الذي قصده نواب الأمة بـ «إصلاح التعليم الرسمي» عندما وضعوا وثيقة الطائف، ولا سيما أن المناهج خُصَّت ببند خاص في الوثيقة سنعود إليه لاحقًا. قد يتعلَّق الأمر بإدارة التعليم الرسمي، أو بمعلميه، أو بأبنيته، إلخ. ولكن تسهيلاً للأمر نقول إن مجلس الوزراء أقر بتاريخ 17/8/1994، أي بعد خمس سنوات على اتفاق الطائف، «خطة النهوض التربوي» التي وضعها المركز التربوي للبحوث والإنماء (وزارة التربية). ويجب أن نفترض أن القصد من الخطة هو العمل على إحداث الإصلاح المنشود، ما يساعدنا على متابعة مدى تنفيذ هذا البند في الوثيقة. لكن مقدِّمات الخطة، بما في ذلك محضر جلسة مجلس الوزراء المبني على مراجعة اللجنة الوزارية التي كُلِّفت مراجعة الخطة الموضوعة من قبل الوزارة والمقدِّمة التي كتبها وزير «التربية الوطنية والشباب والرياضة» آنذاك، لم تأتِ (المقدمات) من قريب أو بعيد على ذكر وثيقة الوفاق الوطني أو البند المتعلق بإصلاح التعليم الرسمي فيها. كما أن هذه الخطة لم تُدرَس في المجلس النيابي قبل إقرارها في مجلس الوزراء، وهذا يشير، ربما، إلى ابتعادها عن كونها تطبيقًا للوثيقة. ولعله ممكنٌ القول إن المركز التربوي للبحوث والإنماء بادر إلى اقتراح هذه الخطة كخطة عمل له للسنوات اللاحقة، مستندًا إلى الجو السياسي العام الذي تلا اتفاق الطائف. على الرغم من ذلك ننطلق من هذه الخطة كدليل لمراجعة موضوعنا في ظل عدم وجود وثيقة أخرى تفي بالغرض.

تتضمَّن خطَّة النهوض التربوية تسعة «مجالات»، كما هو مبيَّن في الجدول 1. ويفيد صوغ مجالات الخطة على النحو المبيَّن فيه بأنها، باستثناء المناهج، مركزة على التعليم الرسمي، بخاصة أن مهام المركز التربوي للبحوث والإنماء تكاد تكون محصورة فيه. لكن المهم أن بعض هذه المجالات لا يتخذ صفة «الإصلاح»، لأنها لا تتطلَّب إصدار مراسيم أو قوانين، كالتعليم المختص والوسائل التعليمية والخدمات التربوية. لذلك لن نتوقَّف عندها. أما الكتب، التي لا تتطلَّب مراسيم أيضًا فهي لصيقة المناهج ونعالجها تحت هذا العنوان، في بند خاص.

جدول 1: مجالات خطة النهوض التربوي 

1.    الإدارة التربوية والإدارة المدرسية

2.    المناهج التعليمية

3.    الكتاب المدرسي

5.    المعلم

6.    الأبنية المدرسية

7.    التعليم المختص

8.    النشاطات الشبابية والرياضية

9.    الخدمات التربوية- التوجيه والإعلام التربويان

الإدارة التربوية:

يعود تنظيم الادارة الحالية لوزارة التربية إلى بداية الستينيات من القرن الماضي، وقد شهد تعديلاً واحدًا في مطلع السبعينيات (إنشاء المركز التربوي للبحوث والإنماء) وتعديلاً ثانيًا «شبه ورقي» من خلال إنشاء «جهاز الإرشاد التربوي» و«المناطق التربوية»[8]. ونقول «شبه ورقي» لأن رؤساء الدوائر تحوَّلوا إلى رؤساء مناطق، من دون تغيير يذكر في المهمات الفعلية. وقد تم تعيين «مدير» للإرشاد من دون إنشاء المديرية بعد الطائف في التسعينيات. وقد شكَّل هذا المدير فرق عمل سبَّبت جدلاً بينه والمفتشية العامة للتربية. وحتى اليوم، هناك مرشدون تربويِّون ونفسيون يعملون وفق تعليمات من المدير المعيَّن (وهم معلِّمون مُلحَقون بالوزارة بدوام جزئي) من دون أن تصدر هيكلية المديرية. كما عُيِّنَ مدير، من دون مديرية، للإرشاد والتوجيه، ومدير عام للتعليم العالي من دون مديرية. ووزِّعت الوزارة إلى وزارتين ثم أعيد دمجهما لاحقًا، من دون أن يتغيَّر شيءٌ في هيكليتها الداخلية[9].

ثمة كلام كثير يمكن قوله عن الإدارة التربوية الحكومية، يُعزى، بطبيعة الحال، إلى البَون الذي اتسع كثيرًا بين التنظيم القديم، في مفهومه من جهة أولى، ومعطيات الواقع التربوي التي تغيَّرت في لبنان خلال السنوات الخمسين الماضية، واتجاهات الإدارة التربوية الحديثة في العالم، من جهة ثانية. وقد جرت عدة محاولات حتى الآن لتعديل هيكلية وزارة التربية من دون أن يفضي أي منها إلى نتائج عملية.

الأبنية المدرسية:

أما بالنسبة إلى الأبنية المدرسية فكانت وزارتا التصميم والتربية قد وضعتا مشروع خريطة مدرسية سُمِّيَ بـ«مشروع تجميع المدارس» وأقرَّه مجلس الوزراء العام 1971، وكان القصد منه إعادة رسم خريطة المدارس وفق المعطيات الديموغرافية من أجل تجميع الموارد في أماكن أكثر كثافة. كان مشروعًا لإصلاح بنية الخدمات التربوية الرسمية، وكان وقتها مدار نقاش ومساهمات من منظمات دولية وخبراء في التخطيط التربوي محليين ودوليين. بدأ تنفيذ المشروع العام 1974، وما لبث أن تعطَّل بسبب الحرب ولم تكن قد انشئت سوى ثلاث من المدارس التي اشتمل عليها المشروع.

كان لا بدَّ من إعادة تصميم هذه الخريطة بعد ما شهده لبنان، خلال الحرب، من التغيُّرات الديموغرافية المعروفة، والمدارس الرسمية من أعمال تدمير مقصودة وغير مقصودة. لقد جرت صيانة معظم المدارس في الثمانينيات من قبل مجلس الإنماء والإعمار (كان قد حلَّ محل وزارة التصميم) الذي وضع خطة الإعمار 2000. لكن هذه لم تُنَفَّذ ولا أعيد فحص مشروع تجميع المدارس على ضوء التغيُّرات، ولم يوضع أي مشروع بديل عنه حتى تاريخه. ومن الطريف في هذا المجال أن أحد وزراء التربية السابقين (بعد العام 2000) قام بوضع «أحجار أساسية» هنا وهناك تمهيدًا لبناء مدارس، وبطبيعة الحال، لم تبنَ مدارس فوق هذه الأحجار التي اختفت معالمها. كما بادر إلى فتح «شُعَب» للمدارس الرسمية كانت مناسبة لتعيين المدراء ونقل المعلمين إليها بما يرضي قاعدته الشعبية، أي بغضِّ النظر عن الحاجة الحقيقية إلى الشُعَب (أو الأحجار) أو لوظيفتها وقدرتها على توفير تعليم مقبول النوعية ذي كلفة مدروسة. في هذا الوقت أنشئت مدارس في بيروت، وأنشأ مجلس الجنوب مجموعة من المدارس وُضِعَت بتصرُّف وزارة التربية. أما «الخريطة المدرسيَّة» الموضوعة سابقًا، والتي كان من المفترض أن تُعَدَّل لاحقًا بموجب قانون، فقد وُضِعَت في أدراج لجنة التربية النيابية ولم تخرج بعد. وما يحصل عمليًا هو أن المدارس تقام على مبدأ المقاولات تحت ظروف سياسية معيَّنة، وليس على أساس «خريطة» تبيِّن جدوى إنشائها وأحجامها وفق المعطيات السكانية.

المعلمون:

حتى العام الذي صدرت فيه وثيقة الوفاق الوطني مرَّ تعيين المعلمين الثانويين في المدارس الرسمية بمرحلتين: الأولى ما بين العامين 1950 و1979 حين كان الأساتذة الثانويون يُعَيَّنون من بين خريجي كلية التربية في الجامعة اللبنانية بعد حصولهم على شهادتي الإجازة ثم الكفاءة في التعليم الثانوي (خمس سنوات دراسية). وقد ساهم هذا النظام بتزويد التعليم الثانوي الرسمي طاقات شابة وكفيَّة رفعت من شأن المدرسة الرسمية الثانوية في فترة ما قبل الحرب. العام 1979 تغيَّر نظام إعداد الأساتذة الثانويين حيث صدر مرسوم[10] أصبح النظام بموجبه ينص على: 1) إجراء مباراة من قبل مجلس الخدمة المدنية لحملة الإجازات، 2) التحاق الناجحين في المباراة بالكليَّة لمدة سنتين، كأساتذة متمرنين (يتقاضون رواتب)، يحصلون في نهايتها على شهادة الكفاءة في التعليم الثانوي، 3) تعيين المتخرِّجين، حملة شهادة الكفاءة. لكن هذا النظام طُبِّق مرتين فقط، إذ التحق بالكلية، استنادًا إليه، فوج في العامين 1980-1982 وآخر بعد عشر سنوات (1990-1991).

أما في التعليم الابتدائي فكان المعلِّمون الرسميون يُعَيَّنون من خريجي دور المعلمين والمعلمات الابتدائية، وكذلك معلمو المرحلة المتوسطة (خريجو دور المعلمين والمعلمات المتوسطة). والعام 1982، أصدر مجلس النواب قانونًا يجيز فيه للحكومة، خلال ستة أشهر، تحديد شروط جديدة لتعيين المعلمين الابتدائيين من بين المتعاقدين. وقد صدر المرسوم التطبيقي لهذا القانون بعد ثلاث سنوات[11]. واستناداً إليه عُيِّن حوالى 4500 معلم ابتدائي من المتعاقدين بعد إجراء دورات تدريبية سريعة لهم.

هذا ما كان حتى العام 1990. وبعده، ما الإصلاح الذي شُرِّع ونُفِّذ على صعيد شروط تعيين هاتين الفئتين من المعلمين؟

العام 1996، اعتمدت سياسة جديدة في تعيين الأساتذة الثانويين تقوم على التعاقد مع الأساتذة عبر المدارس، ثم إجراء مباراة محصورة بين المتعاقدين، ثم إرسال الفائزين إلى كلية التربية لمتابعة «دورة إعداد» لمدة سنة بدلاً من الحصول على شهادة الكفاءة. وكانت هذه الدورة تتمُّ عمليًا لمدة نصف سنة لأنه تمَّ تقسيم المتمرنين الملتحقين بالكلية إلى مجموعتين تداوم الواحدة ثلاثة أيام وتمارس التعليم ثلاثة أخرى. وقد أرسلت عدة دفعات إلى كلية التربية طبقًا لهذا النظام: 755 معلمًا العام 1995-1996، 197 العام 1996-1997، 270 العام 2002-2003، 2188 العام 2004-2005، 668 العام 2005-2006، إلخ. في هذا الوقت، كانت الوزارة تستمر بالتعاقد مع معلمين جدد، بالآلاف، وهؤلاء يطالبون في كل مرة بإجراء مباراة محصورة بهم. وهكذا دواليك، إلا أنَّ الأمر تفاقم أحيانًا بحيث بدأ تعيين المعلمين من بين «الراسبين» في المباريات السابقة[12]. وإذا عرفنا أن التعاقد يتمُّ عبر المدرسة، فيخضع بالتالي للضغوط والولاءات السياسية، أمكن تخيُّل النتائج السلبية على التعليم الرسمي لهذا التقليد الذي أُرسيَ خلال السنوات العشرين الماضية.

أما في التعليم الابتدائي فقد صدر العام 2002 قانون[13] شرَّع تعيين المعلمين الابتدائيين في لبنان من بين حملة الإجازة. وبالتالي توقَّف العمل بنظام دور المعلمين. ولكن القانون لم يحدِّد ماهية الإجازة التي يجب نيلها، لذلك أصبح يحق لحملة جميع أنواع الإجازات بالتقدم لممارسة التعليم في المدارس الرسمية الابتدائية والمتوسطة. ومع صدور هذا القانون بدأت ممارسة جديدة أيضًا في تعيين المعلمين الرسميين الابتدائيين في لبنان، وما زالت مستمرة حتى اليوم: التعاقد مع المعلمين عبر المدارس، ثم إجراء مباريات بين المتعاقدين، بما في ذلك العمل على تعيين الراسبين في المباريات، ثم إجراء دورات تدريبية سريعة للمقبولين. وكان التعاقد يتم من دون شرط حيازة شهادة الإجازة قبل العام 2002، ثم أضيف هذا الشرط في العام المذكور. لقد شهد التعليم الابتدائي ما شهده التعليم الثانوي. وهناك اليوم ما يقارب 12 ألف متعاقد[14] مرشَّحين بدورهم لمتابعة الضغوط من أجل السير على خطى زملائهم السابقين. عمليًا ألغي «الإعداد التربوي» للمعلمين الابتدائيين في لبنان الذي أصبح وضعه بالتالي من هذه الناحية فريدًا من نوعه في العالم.

هذه صورة سريعة عن «الاصلاح» الذي حصل في مجال المعلمين، وهو إصلاح بالمقلوب.

التعليم المهني والتقني:

أما في التعليم المهني والتقني فقد وُضعت خطَّتان لتطويره: خطة النهوض بالتعليم المهني والتقني خلال عقد التسعينيات (1993)، وكانت قد استُحدثت وقتها وزارة خاصة للتعليم المهني والتقني، والخطة الخمسية لتطوير التعليم المهني والتقني (1998-2002). لم تصدر أي من هاتين الخطتين بصورة رسمية، ولا خُصِّصَ لأي منهما ميزانية معروفة، ولم تقرَّرا أصلاً في اللجنة النيابية للتربية، ولم يعرف مصيرهما. من ناحية أخرى، نُفِّذت عملية تطوير لمناهج التعليم المهني والتقني في مطلع التسعينيات، لكن يبدو أنها وضعت بطريقة مكتبية، ولم تُحْدِث أي فرق يذكر في أحوال التعليم المهني والتقني[15].

رابعًا: إصلاح أوضاع الجامعة اللبنانية وتقديم الدعم لها وبخاصة في كلياتها التطبيقية:

القانون الذي ينظِّم شؤون الجامعة اللبنانية يعود الى العام 1967 (أي قبل ثلاث وأربعين سنة). خلال الحرب صدر فقط مرسوم تفريع الجامعة[16] ومرسوم شروط تعيين مدراء الفروع[17]. ولم تكن الجامعة اللبنانية وحدها التي فُرِّعَت في ذلك الحين. فقد انشأت الجامعة اللبنانية – الأميركية فرعًا لها في جبيل وآخر في صيدا، وأنشأت الجامعة الأميركية في بيروت فرعًا في جبيل. كما أنشأت الجامعة اليسوعية شعبًا في صيدا وغيرها، إلخ… كان ذلك تدبيرًا وقائيًا لتجنيب الطلاب والأساتذة والإداريين خطر التعرض للخطف والقنص وإطلاق النار والقذائف عند مرورهم عند خطوط التماس الفاصلة بين المناطق اللبنانية.

توقفت الحرب العام 1990 إثر اتفاقية الطائف. لكن هناك جامعة واحدة ألغت مفعول الحرب على خريطتها، هي الجامعة الأميركية في بيروت التي أقفلت فرع جبيل الذي كان يسمى خارج الحرم (off-campus). أما الجامعات الخاصة الأخرى فقد حافظت على بعض فروعها وعزَّزتها أحيانًا. وأضافت الجامعة اللبنانية إلى فروعها في «بيروت الشرقية» و»بيروت الغربية» (وفق التسمية التي كانت سائدة في فترة الحرب) وفروعها في مراكز المحافظات الأخرى (صيدا، طرابلس، زحلة)، شعبا في جبل لبنان والبقاع والنبطية. وهي قامت في الوقت نفسه (العام 1996) بإعادة توحيد أربع من كليَّاتها هي العلوم الطبيَّة وطب الأسنان والصيدلة والزراعة بالإضافة إلى كلية السياحة والفنادق التي لم تفرَّع أصلاً. لكن التوسع في إقامة الشعب زاد من عدد «عناوين» الجامعة اللبنانية التي تضم اليوم 17 كلية، بعضها موحَّدٌ وبعضها يضم فرعين أو ثلاثة أو خمسة، هذا بالإضافة إلى الشعب ومراكز العمداء (التي أقيمت بشكل مستقل عن الفروع، وحيث تقدَّم الدراسات العليا الموحَّدة). بعض الفروع مُجمَّع في المدينة الجامعية في الحدث (وهي المجمع الجامعي الوحيد في الجامعة)، وبعضها الآخر نجده في مناطق الفنار ورومية والدكوانة، والبعض الآخر مشتَّت في مواقع جغرافية متنوعة، مع العلم أن الإدارة المركزية قائمة في عنوان خاص بها (المتحف). ولو أردنا حصر كل هذه التنويعات لقلنا إن الجامعة موزَّعة على 71 كيانًا إداريًا (كلية أو فرع أو شعبة أو معهد) موزَّعة على عشرات العناوين الجغرافية، بالإضافة إلى عنوان الإدارة المركزية، كما يبيِّن الجدول 2.[18]

جدول 2: تفريعات وعناوين الجامعة اللبنانية               
 

جدول 2: تفريعات وعناوين الجامعة اللبنانية
 الكلية/سنة التأسيس الكيان الإداري (الكلية، الفرع أو الشعبة)العنوان
1التربية1العمادة+ عدد من البرامجفرن الشباك
 (1951)2الفرع الأولاليونسكو
  3الفرع الثانينيو روضة
2الآداب4العمادةالدكوانة
 (1959)5الفرع الأولكورنيش المزرعة- بيروت
  6الفرع الثانيالفنار-جبل لبنان
  7الفرع الثالثالقبة- طرابلس
  8الفرع الرابعكسارة –البقاع
  9الفرع الخامسمجمع صيدا
  10مركز اللغات والترجمةنيو روضة
3الحقوق والعلوم السياسية11العمادةالطيونة
 (1959)12الفرع الأولمجمع الحدث
  13الفرع الثانيجل الديب
  14الفرع الثالثالقبة- طرابلس)
  15الفرع الرابعزحلة-البقاع
  16الفرع الخامسمجمع صيدا
  17الفرع الفرنسيالجناح
  18مركز الأبحاث والدراسات في المعلوماتية القانونيةشارع سامي الصلح
4كلية العلوم19العمادةمجمع الحدث
 (1959)20الفرع الأولمجمع الحدث
  21الفرع الثانيالفنار-جبل لبنان
  22الفرع الثالثالقبة- طرابلس
  23الفرع الرابعزحلة-البقاع
  24الفرع الخامسالنبطية
  25شعبة جبيل –عمشيت
  26شعبة بعلبك – الهرملبعلبك
  27شعبة عكارعكار
  28شعبة بنت جبيلبنت جبيل
5كلية الاعلام والتوثيق29العمادةمستديرة الطيونة-بيروت
 (1967)30الفرع الأولاليونسكو
  31الفرع الثانيالفنار-جبل لبنان
6الهندسة32العمادةمجمع الحدث
 (1980)33الفرع الأولالقبة -طرابلس
  34الفرع الثانيروميه-جبل لبنان
  35الفرع الثالثمجمع الحدث
7كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال (1970)36العمادةمجمع الحدث
 37الفرع الأولمجمع الحدث
  38الفرع الثانيالأشرفية- بيروت
  39الفرع الثالثطرابلس
  40الفرع الرابععاليه
  41الفرع الخامسالنبطية
8كلية الصحة العامة42العمادةالفنار
 (1981)43الفرع الأولمجمع الحدث
  44الفرع الثانيالفنار-جبل لبنان
  45الفرع الثالثالبحصاص – طرابلس
  46الفرع الرابعكسارة – زحلة
  47الفرع الخامسصيدا-الجنوب
  48فرع عين وزينعين وزين
9كلية العلوم الطبية (1983)49كلية العلوم الطبيةمجمع الحدث
10كلية طب الأسنان (1999)50كلية طب الأسنانمجمع الحدث
11كلية الصيدلة (1993)51كلية الصيدلةمجمع الحدث
12كلية الزراعة (1974)52كلية الزراعةالدكوانة
13كلية السياحة والفنادق (1998)53كلية السياحة والفنادقبئر حسن – الجناح
14معهد الفنون الجميلة54العمادةفرن الشباك
 (1965)55الفرع الأولمجمع الحدث
  56الفرع الثانيفرن الشباك-جبل لبنان
  57الفرع الثالثالقبة-طرابلس
  58الفرع الرابعدير القمر-جبل لبنان
  59مركز الترميم والحفاظ على الأوابد والمواقع التاريخيةطرابلس
15معهد العلوم الاجتماعية60العمادةالطيونة
 (1959)61الفرع الأولالروشة-بيروت
  62الفرع الثانيالرابية-جبل لبنان
  63الفرع الثالثالقبة-طرابلس
  64الفرع الرابعكسارة-البقاع
  65الفرع الخامسصيدا-الجنوب
16معهد العلوم التطبيقية (1968)66معهد العلوم التطبيقيةبئر حسن-بيروت
17المعهد الجامعي للتكنولوجيا67المعهد الجامعي للتكنولوجياصيدا
 (1996)68فرع عبيهعبيه
18معاهد الدكتوراه69المعهد العالي للدكتوراه في العلوم والتكنولوجيامجمع الحدث
  70المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعيةحرش تابت – سن الفيل
  71المعهد العالي للدكتوراه في الحقوق والعلوم السياسية والإدارية والاقتصاديةالجناح

باعتبار أن فروع المحافظات هي فروع جغرافية تحمل سمات سكانها ونسبة الاختلاط الفعلية في ما بينهم جرى خلال التسعينيات تداول فكرة تجميع فروع بيروت وجبل لبنان في مجمعين اثنين فقط كونها تقع ضمن بيروت الكبرى، وهي من إرث الحرب، وكون الفروع الثانية تضم المسيحيين، طلابًا وأساتذة وموظفين، والفروع الأولى المسلمين، طلابًا وأساتذة وموظفين أيضًا، فتكون من هذه الناحية أشبه بالغيتوهات التي تقوم على التمييز الطائفي عمليًا، بالإضافة إلى أن فرعي الكلية الواحدة في بيروت الكبرى لا يبعد واحدهما عن الآخر أحيانًا أكثر من بضعة كيلومترات. وكانت الفكرة أن يُعاد إعمار مجمع الحدث بحيث يشتمل على مجموعة الكليات العلمية والتطبيقية، حيث يختلط الجميع، وأن يجري إنشاء مجمع في الفنار يضم الكليَّات الإنسانية، وحيث يختلط الجميع أيضًا. وقد لُزِّم مجمع الحدث وأنشئ فعلاً، بعدما حصلت الحكومة على مساعدات خارجية، على أحدث طراز، وهو يضم مكتبة كبرى وأماكن إقامة للطلبة وغيرها. ومن المأمول أن يكون مجمع الفنار على غراره.

افتتح مجمع الحدث العام 2006 بعد تأخير دام عدة سنوات، وكان أحد أبرز إنجازات ما بعد الطائف لجهة البنية التحتية للجامعة اللبنانية. على أنه تبين عمليًا أن عددًا من الفروع الأولى فقط إنتقل إلى الحدث فيما بقيت الفروع الثانية في أمكنتها، وأن مجمع الفنار لم ينشأ، وهناك مطالبات بإنشائه على أن يضم، بحسب المطالبين، الفروع الثانية، بما يشبه الموازاة مع مجمع الحدث.

هذا بالنسبة إلى المجمعات، أما بالنسبة إلى إصلاح البنية الأكاديمية والإدارية للجامعة فان ذلك يحتاج إلى قانون يحل محل قانون 1967، ويأخذ بعين الاعتبار التطورات التي شهدتها الجامعة من حيث حجمها الذي زاد أكثر من ست مرات (كانت تضم العام 1966-1967 5 كليات و6,512 طالبًا، أي%27 من طلاب لبنان، فأصبحت العام 1991-1992 تضم 13 كلية ومعهدًا و38,208 طلاب، أي %44,7 من طلاب لبنان)، وتكوينها الإداري الذي أصبح مفرَّعًا وغيرها من الأمور، والتطورات التي شهدها التعليم العالي في لبنان خلال هذه الفترة، والتحديات الجدِّية التي فرضتها مؤسساته على الجامعة اللبنانية، بالإضافة إلى التطورات العالمية في التعليم العالي.

من حيث الحجم ارتفع عدد الطلاب من 38,208 العام 1992 إلى 72961 العام 2007، أي زاد بمقدار الضعفين (أو 11 مرة مقارنة بالعام 1967). وقد انشئت عمليًا في هذه الفترة ثلاث كليات فقط (طب الأسنان، الصيدلة، السياحة) ومعهد تكنولوجي واحد. أما من حيث وضع قانون جديد للجامعة فقد بدأ الاهتمام به العام 1993 مع تعيين أول رئيس أصيل للجامعة اللبنانية منذ الثمانينيات. فلقد شكَّل الرئيس الجديد، لوضع مشروع قانون للجامعة، لجنة أنجزت المطلوب منها لكن ثمة اعتراضات برزت على المشروع الذي وضعته. فشُكِّلَت لجنة ثانية. واستمر الأمر على هذا النحو مع تشكيل اللجان ومشاريع القوانين مع الرئيس نفسه والرئيس الذي تلاه. وبلغ عدد المشاريع التي كُتِبت ثم وُضِعَت على الرف 16 مشروعًا كان آخرها مشروعٌ وضعته لجنة بتكليف من الوزير السابق للتعليم العالي، وعُرِضَ على عدد من المشاركين في الورشة التي عُقِدَت في إحدى قاعات قصر اليونسكو بتاريخ 24 و25/3/2006 لمناقشته ولم يحضرها عدد من المدعوين للمشاركة احتجاجًا على ما جاء فيه. وكانت اللجنة التي وضعته غير مجمعةٍ على عدد من البنود فيه (وبخاصة كيفية معالجة موضوع التفريع)، ولم يكن هناك توافق على المشروع بين الحاضرين. وما لبثت الصحف أن نشرت بيانات وتعليقات لأساتذة وأحزاب وإعلاميين تُعَبِّرُ أيضًا عن اعتراضها عليه أسباب متنوعة[19]. انتهى مصير المشروع إلى الأدراج ولم يكن قد وصل بعد إلى الحكومة أو مجلس النواب أي إلى القوى السياسية التي ستتخذ القرار بصدده ذلك لأن الجهات النقابية والسياسية في الجامعة اللبنانية والجهات الإعلامية ذات العلاقة بها، قاومت هذا المشروع لأسباب متنوِّعة.

قبل ذلك بتسعة أعوام، في أيار العام 1997، قام فريق من أساتذة الجامعة اللبنانية بدراسة مشتركة حول الجامعة يدفعهم إليها ما شعروا به من تعثُّر التوصل إلى مشروع إصلاحي ضمن الأطر الرسمية. وقد قامت الدراسة على تحليل الوثائق والاستقصاءات والمناقشات وأفضت إلى وثيقة مشتركة أُرسلت إلى رئيس الجامعة وعمدائها ورابطة الأساتذة المتفرِّغين وعدد من المهتمِّين لمناقشتها في «حلقة دراسية» حُدِّد موعدها في يومي 20 و21/3/1999. وقبل يوم واحد من انعقاد الحلقة نشرت جريدة النهار بيانًا «يرد» على «الحملة المنظَّمة ضد الجامعة اللبنانية وأساتذتها، «ويقول بإن الدراسة «توصلت الى استنتاجات غير موضوعية جاءت كما يبدو تسديدًا لفاتورة صاحب المشروع». في الوقت نفسه تعرَّض رئيس الجامعة في حينه للدراسة في جلسة لمجلس الجامعة وتناولها والقائمين بها بقسوة. وما لبث الرئيس المذكور أن أرسل كتابًا إلى القائمين على الدراسة عن طرق محامي الجامعة يحفظ فيه «حق الجامعة بالادعاء على كل من ساهم أو موَّل أو تدخَّل في إعداد الدراسة ونشرها» (18/3/1999). على الرغم من هذا التهديد المزدوج (من الرئيس والرابطة) استمر فريق الدراسة بالعمل على مناقشتها وتطويرها ثم قام بنشرها[20].

تدلُّ هذه التجربة على أن تعثُّر إصلاح الجامعة اللبنانية لم يكن ناجمًا فحسب عن سياسات عليا، معلنة أو غير معلنة، من الطبقة السياسية، كما كانت الحال بالنسبة إلى التعليم للجميع أو الخريطة المدرسية أو الإدارة أو المعلمين أو التعليم المهني والتقني، بل كان الإصلاح يصطدم أيضًا بقوى نافذة داخل الجامعة، وذلك قبل أن يصل الأمر إلى مجلسي الوزراء والنواب. هذه القوى تتمثل فيها الاتجاهات السياسية الغالبة في المجتمع السياسي اللبناني وتعكس مزاج الهيئة التعليمية من الإصلاح. ولم يكن سهلاً التهجُّم على الدراسة المذكورة لو لم تكن هناك حجة تحرِّك القوى المؤثِّرة المتمثِّلة في «أصحاب المصلحة» في الهيئة التعليمية، ذلك أن الدراسة اقترحت شروطاً لإبرام عقود التفرُّغ مع الأساتذة، ولإدخالهم في ملاك الجامعة، وللترقية، في وقت كان فيه مئات الأساتذة يمارسون الضغوط من أجل إدخالهم إلى الملاك بالشروط التي كانت (وما زالت حتى اليوم) سائدة. وهكذا ظهرت الدراسة وكأنها مسعى من قبل واضعيها لعرقلة هذا الدخول إلى الملاك. إن «أصحاب المصلحة» يتكوَّنون من جميع أولئك الذين تنطبق عليهم الشروط المعمول بها في نظام معيَّن، بغض النظر عن مدى ملاءمة هذا النظام من الزاوية الإصلاحية، والذين يصبحون بمعنى ما أصحاب حقوق. وهذا ينطبق على الذين كانوا مرشحين للدخول في الملاك في الجامعة اللبنانية، مثلما يطبَّق على المتعاقدين في التعليم الرسمي. وفي حين أنه يفترض بأي نظام جديد أن يقدم بدائل لا تؤذي أصحاب المصلحة في معاشهم، فإن الممارسة اللبنانية جعلت من هؤلاء قوة احتياطية يجري التوسع فيها من أجل لجم أي مشروع إصلاحي جديد، والإجهاز على أي امل في الإصلاح.

إلاّ أن الأدهى يحصل على مستوى الحكومة. وفي هذا السياق نذكر الحادثة الآتية:

في يوم من أيام العام 1996 ساق وزير الثقافة والتعليم العالي الاتهام الآتي: ثمة «مفارقات ومخالفات فاضحة لا يمكن القبول بها، إذا كنا فعلاً نسهر على حسن تطبيق القوانين والأنظمة». كان الوزير يتكَّلم في مجلس الوزراء على ملفَّات التثبيت (التعيين في الملاك) في ملاك الجامعة اللبنانية، وما يرتبط بها من ملفات «جميع أفراد الهيئة التعليمية» بسبب تداخل أوضاعهم وطريقة توزيع الساعات في الشعب. كانت حجة الوزير واضحة وقوية. فهناك بحسب معلوماته تفاوت في توزيع الساعات بين الكليات والمعاهد، واستنساب في التشعيب للمقررات، ومواد اختيارية لا طلاب فيها منذ سنوات. وهناك مقرَّرات ألغيت ولم تدرَّس ومع ذلك فقد تمّ توزيع أنصبة تتعلَّق بها وهي أنصبة وهمية، وهناك أساتذة يعلِّمون مواد ليست من اختصاصهم، وفي بعض الحالات ثلث أو نصف نصاب الأستاذ مخصَّص للإشراف على الرسائل والأطروحات … إلخ. تقرير الوزير الذي أخذتُ منه هذه الاقتباسات، وهو تقرير اتهامي لإدارة الجامعة والقوى الأخرى النافذة فيها، منشور في كتاب[21]. لم يخترع الوزير معلوماته ولا كانت حجته من باب التجني لأن الملفات كانت بين يديه. وكان أحيانًا يسمِّي وأحيانًا لا يسمِّي.

يتوقَّع أي قارئ لهذه المرافعة أن يقترح الوزير نظامًا أو شروطًا جديدة في الترشيح والتعيين، أو أن يقترح تحقيقًا في موضوع المخالفات، فماذا قرَّر مجلس الوزراء بناء على تقرير الوزير واقتراحه؟ أخذ المجلس على عاتقه صلاحية بتّ عقود التفرُّغ لأساتذة الجامعة اللبنانية التي هي من صلاحيات مجلس الجامعة. نعم، قرَّر مجلس الوزراء أن تعود إليه صلاحية تقرير من يتفرَّغ للتعليم في الجامعة اللبنانية، وما تزال هذه في يده حتى اليوم. مرَّت سنوات عديدة وتغيّر رئيس الجامعة وتغيَّر العمداء وأعضاء مجلس الجامعة الآخرين، واتُخذت تدابير زادت من أنصبة الأساتذة، وزادت من التدقيق فيها، وظلَّ الوضع على حاله. واستمرَّ مجلس الوزراء يقوم مجتمعًا أو عبر «لجان وزارية» بالنظر في ما يحتاج إليه قسم معيَّن في فرع معيَّن في كلية معيَّنة، من أساتذة في اختصاص معيَّن يعلّمون في شعب معيَّنة. وهذا اختراع لبناني لا مثيل له في العالم. من جهة أخرى، وبما أن مجلس الوزراء هو سلطة عليا في البلاد، وليس بمقدوره عمليًا أن ينظر في هذه الأمور تباعًا، فإنه يؤجِّل الموضوع. لذلك كانت السنوات تمرُّ على المرشحين للتفرُّغ وهم يتقدَّمون بطلباتهم، وعلى الأقسام والعمداء ومجلس الجامعة وهم يرفعون ما وافقوا عليه، ثم ينتهي الأمر إلى تأجيل جديد. ويستمر تعرُّض المرشحين فيها «لتدابير اعتباطية وإلى وضعية غامضة هي مدعاة للإذلال»[22]. ثم، وفي لحظة معيَّنة من الزمن يقرِّر مجلس الوزراء البت في هذه الطلبات المتراكمة، ويعيد الملفات إلى الجامعة لمراجعتها ورفعها من جديد، وفي طريقها إليه مجددًا يكون الضوء الأخضر قد أطلق للمشاركة في التدافع من أجل حشر الأسماء، لتأمين «التوازن» أو غيره من المصطلحات التي تستعمل لتغطية حفلة كاملة من التسويات بين القوى السياسية وأصحاب المصالح وإدارة الجامعة وغيرهم. هكذا أصبح للتفرُّغ والتعيين في ملاكها «مواسم»، تتم مرة كل عشر سنوات (1988، 1999، 2008)، وهي أشبه بيوم الحشر.

إن القوى الراغبة في إصلاح الجامعة، كما في سائر القطاعات التربوية، موجودة ولكنها مشتَّتة وأضعف من أن تتمكَّن من دفع الأمور باتجاه الإصلاح نظرًا إلى نفوذ القوى الأخرى التي يُستدلُّ عليها، على الأقل، من دراسة التقييم الذاتي التي تمَّت في الجامعة بين العامين 2002 و2004. فالعام 2002 بادر رئيس الجامعة في حينه إلى تشكيل لجنة تقييم ذاتي في الجامعة اللبنانية كان يُفترض أن تصل في نهاية الأمر إلى توصيات حول إصلاحها. وقد وضعت خطة لعملها وشكَّلت 26 لجنة فرعية من داخل الجامعة شارك فيها 137 أستاذًا. وبعد دراسة استغرقت 13 شهرًا رفعت تقريرها النهائي في 31/1/2004. كانت المشاركة عالية إن من الناحية العددية أو من ناحية درجة الانخراط، وكان من المفترض، بحسب الخطة، أن يناقش مجلس الجامعة هذه الدراسة ويجري التعديلات، إن أراد عليها، ثم يُقِرُّها وبخاصة التوصيات المقترحة فيها. لكن ذلك لم يحصل فلا مجلس الجامعة سأل عن الدراسة التي كانت تتم بصورة علنية ورسمية تحت إشراف الرئيس، ولا الرئيس طرح الموضوع على مجلس الجامعة. وجُلُّ ما حصل أن الدراسة طُبِعَت بشكل أنيق ووُزِّعت وجرى تقديمها في عدد من الفروع، ولم تتحوَّل إلى مشروع تُبنى عليه عملية الإصلاح. لقد تحوَّلت الى كتاب. لم يعرف أحد لماذا سارت الأمور على هذا النحو، لكن يمكن القول إنه لم يكن باستطاعة الرئيس السير قدمًا في المشروع في مساره الطبيعي بسبب السقوف الموضوعة سياسيًا حول الإصلاح، ففضَّل أن يجعل من الدراسة نقطة «امتصاص» حول موضوع الإصلاح، علمًا بأنه عاد وشكَّل لجنة لوضع مشروع قانون حول الجامعة (وقد وضعت واحدًا من المشاريع الـ 16 المذكورة)، من دون النظر في الدراسة المذكورة، لأن اللجنة المكلَّفة شُكِّلَت استنادًا إلى اعتبارات غير تلك التي تشكَّلت على أساسها دراسة التقييم الذاتي. وكان مصير هذا المشروع كما مصير غيره من المشاريع[23].

وصلنا إلى العام 2009 ولم يكن قد صدر أي قانون يغيِّر من البنية الإدارية – الأكاديمية للجامعة اللبنانية مواكبة «لانتهاء الحرب» وحلول «العيش المشترك»[24]. لكن، وبصورة مفاجئة، أقرَّ مجلس النواب في هذا العام قانونًا يخص الجامعة اللبنانية (الرقم 66) عنوانه «تنظيم المجالس التمثيلية في الجامعة اللبنانية» ووقَّعه رئيس الجمهورية بتاريخ 14/3/2009. وهو قانون قبع في أدراج مجلس النواب عدة سنوات[25]. فما هذا القانون الذي توافقت عليه رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة وإدارة الجامعة والطبقة السياسية؟

لا شيء مهمًا في القانون بخصوص الرئيس والعميد، هناك بعض التعديلات على عدد المرشحين ومدة ولاية بعضهم. فالقانون يتعلق بـ «المجالس» حيث يجب البحث عن الجدة. مجلس الجامعة؟ لا جديد، لم تخصَّص له أي مادة تعديلية في القانون الجديد. الجديد فعلاً هو «مجلس الوحدة»، غير الموجود في قانون العام 1967. ما مجلس الوحدة؟ هو يتكوَّن في القانون الجديد من: عميد الوحدة (والوحدة هي الكلية، وبخاصة الكلية التي تضم فرعين أو أكثر)، مديري فروع الوحدة، ممثلي الهيئة التعليمية في الفروع، رئيس مركز الأبحاث في حال وجوده (وهو غير موجود، بعد أن توقف العمل بنظام مراكز البحوث)، ممثلين عن الطلاب في الوحدة وفق آلية يضعها مجلس الجامعة (وهؤلاء غير موجودين أيضًا ولا وضعت الآلية المتعلقة بهم)، ممثل الوحدة في مجلس الجامعة.

المعادلة بسيطة وواضحة: يتكوَّن مجلس الوحدة ممن يعيِّنهم رئيس الجامعة (المديرين) والعميد (الذي يعيِّنه مجلس الوزراء)، وممن ينتخبهم الأساتذة. القوى السياسية التي تقرِّر في مجلس الوزراء هي نفسها التي تنتخب في الفروع فتشكِّل معًا مجلس الوحدة. وما الذي «طار» في هذه المعادلة؟ رؤساء الأقسام. إنَّه اختراع لبناني رسمي غير مسبوق.

بحسب قانون الجامعة (للعام 1967)، وفي القانون الجديد بالنسبة إلى الكليات الموحَّدة، وطبقًا لكل الهياكل الجامعية في العالم، بما فيها الجامعات ذات الفروع في الولايات المتحدة أو فرنسا أو مصر أو اليمن…فإن السلطة الأكاديمية تتبع التسلسل التالي المكوَّن من ثلاثة مستويات: رئيس الجامعة – مجلس الجامعة، عميد الكلية – مجلس الكلية، رئيس القسم – مجلس القسم (فضلاً عن مجلس الأمناء في الأنظمة الأنكلوساكسونية وعدد من الجامعات الخاصة). أما القانون الجديد الذي نتحدَّث عنه فإنه يُدخِل تعديلين جوهريين على هذا التسلسل: يضيف مستوى رابعًا هو مدير الفرع – مجلس الفرع، ويضع «مجلس الوحدة» محل «مجلس الكلية». في التسلسل الجديد يضاف حاجز على الطريق التي تصل رؤساء الأقسام بالعميد بحيث تمرُّ الشؤون الأكاديمية، بعد اقرارها على مستوى مجلس القسم – رئيس القسم، بمجلس الفرع – المدير، ثم تُرفَع إلى مجلس الوحدة – العميد ومن هناك إلى مجلس الجامعة – الرئيس. هذا التغيير هو ما كان معمولاً به واقعيًا، وبصورة غير قانونية، منذ تفريع الجامعة العام 1977. وقد جاء القانون الجديد ليشرِّع هذا الوضع الذي عانته الجامعة خلال فترة الحرب وما بعدها منذ اتفاق الطائف.

في هذا الوضع جرى تنصيب المدير، وهو ليس ذا صفة أكاديمية، رئيسًا لرؤساء الأقسام، بدلاً من العميد، الذي هو حكمًا برتبة أستاذ ويُعتبَر رأس السلطة الأكاديمية في الكلية. وفي هذا الوضع يتخذ مجلس الوحدة القرارات الأكاديمية في الكلية برئاسة العميد، ومن دون رؤساء الأقسام، الذين حل محلهم مديرو الفروع. خط السير الجديد هذا ضيَّع السلطة الأكاديمية في الجامعة، وانعكس على أداء المستويات الأخرى في التسلسل الأكاديمي. وقد بيَّنت تجربة السنوات الماضية أن المديرين هم «ضامنو» الفروع بالمعنى السياسي العام أو المحلي للكلمة، ليس فحسب لأن الواحد منهم مكلف بالفرع تحديدًا، وهذا هو دوره الذي يحاسبه عليه من «ضمَّنوه» الفرع، بل لأنه لا يمكن أن يضطلع بدور العميد مع رؤساء الأقسام ولا دور رؤساء الأقسام مع العميد. وهذا ما يدفعه الى أن يقوم بدور رجل العميد في الفرع أو يقوم بدور رجل الفرع مع العميد وذلك وفق الظروف. ومن العوامل التي تساعد على أن يقوم بدور رجل الفرع مع العميد هو أن ينتمي إلى جهة سياسية وجغرافية غير الجهة التي ينتمي إليها العميد. أما إذا كانا من الجهة نفسها أصبح أكثر قابلية لأن يكون رجل العميد في الفرع. إن الترتيب الذي جاء به القانون الجديد يضعف السلطة الأكاديمية نحو الحد الأقصى كلما كان العميد متفردًا طليق اليدين هنا، أو ضعيفًا جالسًا على باب المدير هناك، وكان رؤساء الأقسام ومجالس الأقسام، في الحالتين، مهمَّشين.

مضمون المشروع بدائي بهذا المعنى لأنه يُعيدنا إلى ما قبل عصر السلطة الأكاديمية. لماذا، والحال هذه، اعتبر قانونًا ديمقراطيًا؟ لأن المشروع يغيِّر طريقة تعيين المدير. فبدلاً من تعيينه من قبل رئيس الجامعة من تلقاء نفسه، يتم ذلك، بناء على القانون الجديد، استنادًا إلى لائحة ترشيح يرفعها مجلس الفرع ويختار منهم الرئيس واحدًا يعيِّنه. كأن القانون الجديد كان عقدًا بين القوى السياسية وإدارة الجامعة والجهات النقابية التي هي امتداد للقوى السياسية.

وراء هذا الانزلاق ثمة مشكلة مستعصية في الجامعة إسمها الفروع. وقد صبَّت الجهود حتى الآن باتجاه المحافظة، نظريًا، على وحدة الجامعة (من خلال رئيس واحد وعميد واحد لكل كلية)، وهي وحدة برَّانية كما هو معلوم، والاستسلام، واقعيًا، لتقسيم الجامعة بين المناطق والقوى السياسية (عن طريق الفروع). ولم تخرج المبادرات الحكومية وغير الحكومية من عنق الزجاجة هذه باتجاه الاعتراف بالوقائع الديمغرافية من خلال إنشاء جامعة لبنانية في كل منطقة من المناطق البعيدة (الشمال والجنوب والبقاع)، بالإضافة الى جامعتين مختلطتين في بيروت الكبرى واحدة للعلوم الإنسانية وثانية للعلوم البحتة والتطبيقية. كان بالإمكان وضع قانون واحد لكيفية عمل كل من هذه الجامعات الحكومية كما هي الحال في مصر والأردن وسوريا وفرنسا وغيرها. ويبيِّن الجدول الرقم 3 أن توزيع الطلاب في الفروع يوفِّر الأعداد الكافية لإنشاء مثل هذه الجامعات، بحيث تشبه في أحجامها أي جامعة خاصة في لبنان أو أي جامعة حكومية في دولة مجاورة.

جدول 3: توزيع طلاب الجامعة اللبنانية للعام 2006/2007 على خمس جامعات لبنانية مقترحة
 الكلياتالجامعة اللبنانية للإنسانيات-بيروت الكبرىالجامعة اللبنانية للعلوم والتكنولوجيا- بيروت الكبرىالجامعة اللبنانية في الشمالالجامعة اللبنانية في البقاعالجامعة اللبنانية في الجنوب
1التربية2063    
2الآداب6714 554839876412
3الحقوق والعلوم السياسية4929 15878951001
4العلوم 106242820377951
5الإعلام والتوثيق1352    
6الهندسة 1865527  
7العلوم الإقتصادية وإدارة الأعمال3913 766 471
8الصحة العامة 956361356441
9العلوم الطبية 712   
10طب الاسنان 291   
11الصيدلة 222   
12الزراعة 256   
13السياحة والفنادق363    
14معهد الفنون الجميلة1228 4171990
15العلوم الإجتماعية3023 14737771596
16العلوم التطبيقية والإقتصادية 1514426667359
17المعهد الجامعي للتكنولوجيا     
 مجموع طلاب الجامعة23,58516,44013,9257,25811,231

ملاحظة: يمكن أن يلحق المعهد الجامعي للتكنولوجيا بالجامعة اللبنانية في الجنوب، أو بالجمعية اللبنانية للعلوم والتكنولوجيا (522 طالبا في العام الدراسي المذكور).

مصدر المعلومات عن عدد الطلاب للعام 2006/2007: النشرة الاحصائية للمركز التربوي للبحوث والإنماء، وهو آخر عام متاحة احصاءاته على موقع المركز التربوي: http://www.crdp.org/CRDP/Arabic/ar-statistics/a_statistics.asp

لا وهم بأن مثل هذه الفكرة غير مقبولة لدى القوى السياسية النافذة في الجامعة وخارجها، لأن الفروع هي مناطق نفوذ لها على مستوى المدير والأساتذة والطلاب[26]. ثم أن «توحيد» الفروع الأولى والثانية في مجمعين بطريقة فوقية أو قسرية يزيد النزاعات «الأولية» (أي السياسية التي تستند إلى الهويات الطائفية) ولا يخفِّف منها، والسبب أن تشبُّع الجامعة سياسيًا (وعلى خلفية الهوية)، على مستوى الإدارة والطلاب والهيئة التعليمية، يجعل من الاختلاط بيئة للنزاعات التي يسبِّبها الانحياز الناجم عن التشبُّع المذكور. ويحتاج الأمر إلى وقت طويل قبل أن تعود الثقة إلى حكم القانون والكفاءة وإلى السلطة الأكاديمية والتنافس الديمقراطي بين الأفراد والأحزاب الاختيارية (غير المرتبطة بالهوية). لقد مررنا بخمس عشرة سنة من الحرب على الهويات، وورثت قوى الحرب، وتلك المتكوِّنة لاحقًا على القاعدة نفسها والمتحالفة معها، شؤون الحكم وأدارته على هذا النحو خلال السنوات العشرين اللاحقة. ولا ندري كم تكون مدة العلاج ثم النقاهة مما مررنا وما زلنا نمر فيه.

خامسًا: إعادة النظر في المناهج وتطويرها وتوحيد الكتاب في مادتي التاريخ والتربية الوطنية:

ربما يكون هذا هو البند الوحيد الذي سجَّلت فيه وزارة التربية والتعليم العالي تقدمًا جديًا وملموسًا لما جاء في وثيقة الوفاق الوطني لجهة أخذ القرار وتنفيذه. لذلك فهو يستحق النظر فيه بحثًا عن سره.

لقد وضع المركز التربوي للبحوث والإنماء خطة النهوض التربوي العام 1994 كما ذكرنا، ولكنها كانت ركيكة المضمون، لا علاقة لها بوثيقة الوفاق الوطني، وذات أهمية من الناحية الشكلية لأنها سمحت للرئيس المعيَّن حديثًا للمركز بأن ينطلق من وثيقة رسمية اتخذ بشأنها قرار في مجلس الوزراء.

وخلال سنة، وبعد اجتماعات متوالية للجنة شكَّلها المركز، صدرت «الهيكلية الجديدة» للتعليم في لبنان في احتفال خاص جرى في 9/1/1995 برعاية رئيس الجمهورية وحضوره ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء. كان حدثًا تربويًا لم يشهده قطاع تربوي من قبل، ولا عهدًا للدول به. فالتقاء أركان الدولة في هذا الإعلان شكَّل بذاته علامة فارقة، وأعطى زخمًا للوزارة للمضي في تعديل المناهج على قاعدة وفاقية، وللشروع بقوة في تنفيذ ما نصَّ عليه اتفاق الطائف حول توحيد كتابَي التاريخ والتربية الوطنية. وإذا اعترفنا بأن الهيكلية الجديدة ما هي إلاّ نص يرسم بالنسبة إلى التعليم ما ترسمه خريطة لبناء سوف يشيّد أو لطرق سوف تُشَق، فإنه يمكن القول إن الاحتفال وما تبعه من حملة إعلامية ساعدا على الأرجح في كسر حواجز مقاومة جهات متعدِّدة لتعديل المناهج الذي قد يأتي لاحقًا من مواقع متقابلة، فكان الحدث والحملة الإعلامية مفيدَين من هذه الناحية، ناحية تيسير عجلة التعديل.

لقد توافرت لمشروع تعديل المناهج منذ وضع الهيكلية قيادة أمنت التوافق الوطني على أعلى المستويات فضلاً عن الموارد المالية والإعلامية للازمة للإنطلاق. إثر ذلك، شكَّل المركز التربوي لجانًا لوضع المناهج شارك فيها 322 شخصًا، فأمَّن بذلك شرطًا آخر لنجاح المشروع هو شرط المشاركة الكثيفة لأشخاص يمثِّلون قطاعات المجتمع التربوي المختلفة[27].

هكذا صدرت المناهج في مرسوم العام 1997 مع ملخَّصاتها وبلغ مجموع صفحاتها 832 صفحة، تبعها تدريب المعلمين مع صدور تفاصيل محتوى المناهج، ثم تأليف الكتب المدرسية على ثلاث دفعات حتى أنجزت جميعها. وسادت المناهج الجديدة بكتبها الجديدة جميع الصفوف والمراحل ابتداء من العام الدراسي 2000-2001. واستمر زخم تعديل المناهج بعد ذلك (أي بعد إقالة رئيس المركز الذي أطلق ورشة التعديل وتعيين رئيس جديد مكانه) وبدأ العمل على وضع نظام جديد للتقييم، ثم عدّل ووضع بصيغته النهائية وصدرت أدلة لجميع المواد حوله في تشرين الأول/أكتوبر 2000 أي مع تعميم الكتب المدرسية الجديدة. وقد صدر قرار عن وزير التربية (الرقم 666/2000) يحدّد للمعلمين ولمديري المدارس أصول تطبيق هذا النظام. كما وضعت نماذج للامتحانات الرسمية في صفي التاسع (نهاية المرحلة المتوسطة) والثاني عشر (نهاية المرحلة الثانوية) وصدرت في كانون الثاني/يناير 2001، أي قبل ستة أشهر من بدء إجراء الامتحانات الرسمية على المنهج الجديد. ويبيِّن الجدول 4 التسلسل الزمني لهذه المنجزات.

جدول 4: التسلسل الزمني لإنجاز المناهج التعليمية
 199519971998199920002001
1. إصدار الهيكلية الجديدة      
2. إصدار مرسوم المناهج      
3. تدريب المعلمين      
4. إصدار تفاصيل محتوى المنهج:        
   – للسنة الأولى من كل حلقة/مرحلة      
   – للسنة الثانية من كل حلقة/مرحلة      
   – للسنة الثالثة من كل حلقة/مرحلة      
5. تأليف الكتب المدرسية:        
   – للسنة الأولى من كل حلقة/مرحلة      
   – للسنة الثانية من كل حلقة/مرحلة      
   – للسنة الثالثة من كل حلقة/مرحلة      
6. إصدار أدلة التقييم لجميع المواد      
7. نماذج الامتحانات الرسمية      

وبالعودة إلى ما نصَّت عليه وثيقة الوفاق الوطني يلاحظ أن منهج التربية المدنية صدر مع جملة المناهج العام 1997، وأُلِّفَ على ضوئه كتاب التربية المدنية الموحَّد. لكن منهج مادة التاريخ لم يصدر إلا بعد ثلاث سنوات (العام 2000)، وسبب التأخير يعود إلى تباينات في آراء أعضاء اللجنة التي عملت على وضع المناهج. ثم أنه بعد صدور المنهج، وطباعة أول مجموعة كتب (للصفين الثاني والثالث) وبدء توزيعها على المدارس، ووضع مخطوطات لصفين آخرين (بداية العام 2001-2002) قرّر وزير التربية في حينه سحب الكتب من التداول وسحب المخطوطات إثر ضجة أثيرت حول أحد دروس الكتاب (الدرس 17) الذي تم توزيعه[28]. بعد ذلك شكَّل وزير التربية لجنة جديدة، وأقال في الفترة نفسها رئيس المركز التربوي الجديد والمدير العام لوزارة التربية. ولكن لا المنهج الجديد ولا الكتاب المدرسي الموحّد في التاريخ (الذي نصَّت عليه وثيقة الوفاق الوطني) صدرا في ظل عهد الوزير المعني، ولا صدرا لاحقًا، وصولا إلى يومنا هذا[29]، وكأن عدم صدور الكتاب أصبح أكثر أمانًا للمسؤولين. المهم أن إصلاح المناهج وقف أمام حاجز كتاب التاريخ.

من جهة أخرى يمكن القول إن توحيد كتاب التربية المدنية في كتاب سُمِّيَ «التربية الوطنية والتنشئة المدنية» كان إنجازًا إداريًا أكثر منه إنجازًا فعليًا. لقد أُجري في العامين 2001 و2002 تقييم لتحصيل الطلبة بناء على المنهج الجديد مقارنة بالمنهج القديم (في الصفوف الخامس والسادس والثامن والتاسع) وتبيَّن أن معدلات التلاميذ لم تتغيَّر ما بين المنهجين بصورة دالَّة، وأنها كانت دون المعدل في سائر المواد باستثناء التربية الوطنية والتنشئة المدنية (أنظر جدول 5) التي جاءت المعدلات عالية نسبيًا (%65) في المنهجين القديم والجديد على السواء. هذا التشابه يعني أن المنهج الجديد (وكتابه الموحَّد) لم يترك أثرًا، وأن طريقة التقييم تفضي إلى علامات عالية.

جدول 5: معدلات التحصيل للمواد 2001
المعدل %المادة
31.50عربي
28.75فرنسي
47.75إنكليزي
31.00رياضيات
21.00علوم
64.75تربية وطنية

واقع الحال أن دراسة أجريت مؤخرًا (2008) على مستوى معارف ومهارات طلبة الصف التاسع المدنيَّة في لبنان، أي بعد ثماني سنوات على تطبيق المنهج الجديد، وذلك بالمقارنة مع 28 بلدًا نفذت فيها الدراسة نفسها، وبيَّنت نتائجها:[30]

أن المعارف المدنيَّة لطلبة لبنان ضعيفة نسبيًا، مقارنة بزملائهم في الدول الـ 28. فعند توزيع هذه الدول في ثلاث مجموعات (ضعيف ومتوسط وعال) جاء لبنان في طليعة البلدان ذات الأداء الضعيف في المحتوى المعرفي (أي أفضل المجموعة الضعيفة).

أن إنجاز الطلبة في لبنان في المهارات المعرفية كان أدنى من إنجازهم في المحتوى المعرفي. فقد جاء لبنان في أواخر المجموعة الضعيفة في المهارات المعرفية ما يعني أن طلبة لبنان قد «يعرفون» المفاهيم المدنية لكنهم لا يمتلكون مهاراتها الأدائية.

أن إنجاز الطلبة في لبنان في المحتوى المعرفي المدني متدنٍ حتى من منظور المناهج اللبنانية.

أن ثقة الطلبة محدودة بمؤسسات الدولة اللبنانية أو ذات العلاقة بها، أكانت مؤسسات سياسية أو قضائية أو حزبية أو أمنية، والثقة بالمؤسسات الإعلامية منخفضة أيضًا. في المقابل فإن الثقة بالمؤسسات الدينية مرتفعة، وكذلك الحال بالمدارس الخاصة.

أن مشاركة الطلبة في الأنشطة التطوعية من نوادٍ وجمعيات محدودة إجمالاً، في حين أن اهتمامهم بالسياسة عالٍ، إن من حيث تصريحهم بذلك وتأييدهم لتيارات سياسية معينة أو من حيث مناقشة الأمور السياسية المحلية مع أقرانهم وأهلهم والبالغين.

أن الفروق بين الطلبة في الأمور السياسية محكومة بقوة بانتمائهم الطائفي، في حين تُعزى الفروق في معارفهم ومهاراتهم المدنية إلى نوع المدرسة والمستوى الاجتماعي. والملفت أنه ليس طلبة المدارس الرسمية هم الأفضل فطلبة القطاع الخاص أفضل أداء في المعارف المدنية من طلبة القطاع الرسمي، وأكثر إدراكًا لمفاهيم المواطنة وموافقة على الزواج المختلط، وعلى المساواة بين الجنسين. وفيما بدا الاهتمام بالسياسة من اختصاص التعليم الرسمي، فإن المشاركة في الجمعيات والأندية بدت من اختصاص التعليم الخاص[31].

ربما لم يكن من الضروري العودة إلى نتائج الدراسات الأمبيريقية، لإظهار أحوال الشباب الذين تعلموا في المناهج الجديدة، وتحديدًا في كتاب التربية المدنية الموحَّد، لأن ما جرى من أحداث خلال السنوات الماضية، ابتداء من 8 آذار و14 آذار 2005 وصولا الى أحداث 7 أيار/مايو 2007، وما رافقها من مشاعر انقسامية حادَّة لدى شباب بعض الطوائف، غنيَّة عن البيان، وعن الإضافة. غير أن تلك المعطيات وهذه الأحداث تشير بقوة إلى أنه بعد عشر سنوات على تطبيق المنهج الجديد، وعلى توحيد كتاب التربية الوطنية والتنشئة المدنية، كانت النتائج مخيِّبَة فعلاً وكأن هذا الكتاب لم يكن يوفر سوى مادة «موحَّدة»، من فوق، تُحفظ لكي «تفرَّغ» في الامتحانات (تدبير إداري)، من دون أن يكون له دور في التنشئة السياسية فعلاً. حتى أن أخبارًا كثيرة تروى عن أن المعلمين والتلاميذ «يقرؤون» هذه المادة «الموحَّدة» برؤى متضاربة لا تخلو من المبالغات أو الاعتراض على ما ورد فيها. ويحقُّ للبعض أن يتساءل: ما الحكمة من كتاب «موحَّد» في هذه الحالة؟ أليس من الأفضل العمل على بناء قدر من الثقافة السياسية الواحدة في المجتمع اللبناني ما يسمح بقراءة واحدة لكتب مدرسية مختلفة؟

خلاصة القول إنه تمَّ اصلاح المناهج فعلاً، لكن الوفاق الوطني الذي هو مصدر الإصلاح، عجز عمليًا عن أن يجسِّد نفسه في ثقافة واحدة للتنشئة السياسية في لبنان عبر المدرسة. بل أكثر من ذلك فإن اصلاح المناهج بدا وكأنه عملية تطوير لما كان صادرًا العام 1970 أكثر منه إصلاح بالمعنى المتعارف عليه للكلمة. وما أدل على ذلك سوى أن مستوى طلبة لبنان في العلوم والرياضيات كان ضعيفًا إجمالاً كما بيَّنت الدراسة العالمية التي شارك فيها لبنان أكثر من مرة وتدعى «تيمس» (TIMSS). ففي اختبار 2003 مثلاً وكانت المناهج الجديدة وأساليبها ما زالت تحتفظ بشيء من الزخم، جاء لبنان، في العلوم، في المرتبة القريبة من الأخيرة (المرتبة 42 بين 47 بلدًا) وجاء الأخير تمامًا بين الدول العربية التي شاركت في الاختبار، علمًا بأنه جاء، في الرياضيات، الأول بين البلدان العربية وفي المرتبة 33 بين البلدان الـ 47 المشاركة عالميًا[32]. ولم تكن نتائج لبنان في الاختبار نفسه العام 2007 أفضل حالاً.

أخيرًا لا بد من الإشارة إلى أن مدرسة الدولة (المدرسة الرسمية) «دفعت ثمن» تعديل المناهج أكثر مما استفادت منه. فمن بين التعديلات المهمة في المناهج الجديدة إضافة مواد تعليمية جديدة، مثل اللغة الأجنبية الثانية، والتكنولوجيا والمعلوماتية ابتداء من المرحلة المتوسطة، الاجتماع والاقتصاد والثقافة العلمية في المرحلة الثانوية، والاهتمام بالفنون والأنشطة، وزيادة ساعات التعليم في الأسبوع من 30 الى 35 ساعة، إلخ… إن ما تجب الإشارة إليه أن معظم هذه التعديلات لم يُطبَّق في المدارس الرسمية، بل أن مادة «قديمة» مثل الرياضة البدنية توقَّف العمل بها في الكثير منها. وكل ذلك بسبب عدم توفير المعلمين المتخصِّصين فيها، وبسبب اعتماد نظام الدوامَين في هذه المدارس. والنتيجة أنه جرى تعليق ما يسمى اليوم بـ «المواد الإجرائية» المذكورة أعلاه، وتضييق وقت الدراسة في اليوم الواحد، وفي الأسبوع الواحد وعلى مدار السنة. في هذا الوقت لم تكن المدارس الرسمية مهيأة لاعتماد نظم التعليم الناشطة المقترحة في المناهج الجديدة بسبب الترتيب التقليدي للصفوف والفقر في تجهيزاتها. ونحن نعلم، استنادًا إلى ما ذكر سابقًا، ما هي الأساليب التي اعتمدت في تعيين المعلمين فيها، وماذا حل بالخريطة المدرسية والإدارة التربوية وغيرها.

ومع تراجع نوعية التعليم في القطاع الرسمي تراجع الإقبال عليه، فقد خسر التعليم الرسمي 23 ألف تلميذًا بين العامين 2000-2001 والعام 2005-2006، وتراجعت حصته من 39 % إلى 36 % من مجموع المسجَّلين في المدارس، في حين ربح القطاع الخاص 43 ألف تلميذًا وارتفعت حصته من 61% إلى 64 % في الفترة نفسها[33].

سادسًا: التعليم العالي الخاص:

يمكن إجمال قضايا القطاع التربوي الكبرى بخمس: الفرص الدراسية، جودة التعليم، الاندماج الوطني، التنمية الاقتصادية، تسيير القطاع التربوي[34]. ويبيِّن الجدول 6 ما طُرِحَ من هذه القضايا في وثيقة الوفاق الوطني.

 جدول 6، بنود الطائف حول التربية وقضايا القطاع التربوي
قضايا التربية والتعليمبنود الطائف
الفرص الدراسيةتوفير العلم للجميع وجعله إلزاميًا في المرحلة الابتدائية على الأقل.
تسيير القطاع التربويالتأكيد على حرية التعليم وفق القانون والأنظمة العامة.
تسيير القطاع التربويحماية التعليم الخاص وتعزيز رقابة الدولة على المدارس الخاصة وعلى الكتاب المدرسي.
جودة التعليم التنمية الاقتصاديةإصلاح التعليم الرسمي والمهني والتقني وتعزيزه وتطويره بما يلبي ويلائم حاجات البلاد الإنمائية والإعمارية. وإصلاح أوضاع الجامعة اللبنانية وتقديم الدعم لها وبخاصة في كلياتها التطبيقية.
الاندماج الوطنياعادة النظر في المناهج وتطويرها بما يعزز الانتماء والانصهار الوطنيين، والانفتاح الروحي والثقافي وتوحيد الكتاب في مادتي التاريخ والتربية الوطنية

وبناء على ما عرضناه أعلاه نقول إن وثيقة الوفاق الوطني لامست جميع القضايا الرئيسة في القطاع التربوي، لكنها كانت ملامسة جزئية جدًا وغير واضحة ما نتج عنه قصور عن بلورة وجهة واضحة لخطط إصلاح القطاع وعجز عن السير في إصلاح التعليم طبقًا لمعظم بنود الوثيقة، هذا عدا السياسة الفعلية التي اعتمدت في الفترة اللاحقة في هذا القطاع والتي قدَّمنا مقتطفات عن بعضها، والتي أدت أحيانًا إلى عكس النية المعلنة في الوثيقة. ومن بين المسائل التي يمكن إضافتها للتدليل على القصور والغموض من جهة وعلى ماهية السياسة المعتمدة من جهة أخرى من قبل الحكومات المتعاقبة ومجالس النواب خلال العشرين سنة الماضية نتوقف عند التعليم العالي الخاص.

يعود القانون الذي ينظم شؤون التعليم العالي الخاص الى العام 1961، أي أن عمره 59 سنة فقط! منذ ذلك الوقت توسَّع هذا التعليم بصورة كبيرة وأنشئت مؤسسات عديدة، في ظروف أحيطت بالكثير من المشكلات وأحيانًا بكثير من الالتباسات[35].

والعام 1996 صدر عن الحكومة مرسومان يحدِّدان الشروط والمعايير وشروط انشاء معهد للتكنولوجيا التي يجب اعتمادها في الترخيص لمؤسسات جديدة[36]، وفي الوقت نفسه أصدرت الحكومة نفسها مرسومًا آخر ترخص بموجبه لعدد من مؤسسات التعليم العالي من دون أن تطبَّق المعايير التي وضعتها في المرسومين الآخرين[37]، في مثال صارخ على ازدواجية سلوك الحكومة وعلى حقيقة السياسة المعتمدة. وهي سياسة فرضت في ما بعد سلسلة من الترتيبات والتصرفات في هذا القطاع تقع كلها تحت البندين الواردين في وثيقة الوفاق الوطني حول حرية التعليم الخاص ولكن من دون قوانين أو من دون قوانين ملائمة. وهذا ما يُسمَّى باللغة الاجنبية (laissez-faire)، والذي يصلح أن يكون عنوانًا للسياسة الحكومية في شأن التعليم الخاص أكان قبل الطائف أو بعده.

ليس سيئًا أن تنشا مؤسسات تعليم عالٍ جديدة، خاصة أو حكومية، ولا أن يزيد عدد الطلاب في التعليم العالي، فهذه، بالعكس، إشارات جيِّدة لأن انتشار التعليم العالي هو بَيّنة على ارتفاع المستوى التعليمي في بلد ما. ويبين الجدول 7 حجم التطور في التعليم العالي في لبنان.

جدول 7: تطور حجم التعليم العالي في لبنان خلال خمسين سنة
 المؤسساتالطلاب
 جامعات خاصةمعاهد خاصةالمجموعمؤسسات خاصةالجامعة اللبنانيةالمجموع
1966-1967471116,893651223405
1991-19927142147,2873820885495
2000-200119214048,43771050119487
2006-200727144187,40372961160364

ملاحظة: يُعزى انخفاض عدد المعاهد الخاصة بعد العام 2000 إلى تحوُّل بعضها إلى جامعات.

المصدر، بالنسبة إلى المؤسسات وتواريخ انشائها:

http://www.higher-edu.gov.lb/arabic/privuniv/personal_univ.html

وبالنسبة إلى أعداد الطلاب في العامين 2001 و2007:

http://www.crdp.org/CRDP/Arabic/ar-statistics/a_statisticpublication

وبالنسبة إلى أعداد الطلاب في العامين 1967و1992: الأمين، عدنان (1994) التعليم في لبنان، زوايا ومشاهد، بيروت، دار الجديد

لكن البلدان الراقية تعمل في الوقت نفسه على ضبط نوعية ما ينشأ، وعلى تقديم الدعم لكل الجهود الرامية إلى تحسين نوعية هذا التعليم بحيث ينتج رأسمالاً بشريًا وقدرة تنافسية على المستويين الإقليمي والدولي. أما انتشار مؤسسات هذا التعليم من دون معايير ضابطة وأصول محترمة فيحوِّل الشهادات إلى ما يشبه التضخم النقدي. وقد حدث شيء من هذا القبيل في لبنان في السنوات العشرين الماضية ما جعله يخسر سمعته في هذا المجال[38].

ثمة مشكلة تتعلق بشروط الترخيص لفتح مؤسسات التعليم العالي وبشروط استمرارها في العمل.

وثمة مشكلة في تحديد أدوار الدولة تجاه التعليم الخاص ولا سيما أدوار الرعاية والتخطيط والدعم والرقابة.

وثمة مشكلة في ضمان جودة التعليم العالي الذي شرعت كل دول أوروبا اليوم، بعد أميركا، بوضع الهياكل له والآليات وتطبقه على نطاق واسع بما يشمل المؤسسات والبرامج، تحت أسماء متعددة (توكيد الجودة، الاعتماد، التقييم، الخ).

وثمة مشكلة في الحراك الأكاديمي بين مؤسسات التعليم العالي، بسبب انتمائها إلى أنظمة تدير ظهرها لبعض البعض.

وثمة مشكلة في موقع التعليم التقني العالي وهامشيته، وعزله عن باقي منظومة التعليم العالي.

هذه المشكلات وغيرها نجمت في جانب منها عن الارتجال في سياسة فتح مؤسسات التعليم العالي، وفي جانب آخر عن الفساد وتغلب مصالح القوى النافذة، وفي جانب ثالث عن عدم صلاحية القانون الذي يرعى شؤون التعليم الخاص، ويشكِّل هذا الجانب بابًا واسعًا للولوج إلى الجانبين السابقين.

وكما في الجامعة اللبنانية كذلك في التعليم العالي الخاص، فقد شكلت لجنة التربية النيابية لجنة خاصة لوضع مشروع قانون حول التعليم الخاص العام 2001. وأنهت اللجنة عملها، ووضع المشروع على الرف. وشكلت لجنة ثانية العام 2005، ووضع المشروع على الرف. ومؤخرًا شكَّل الوزير الحالي للتربية والتعليم العالي لجنة جديدة. فماذا سيحصل، علمًا بأنه في الحالات الثلاث كان وزير التربية والتعليم العالي ورئيسة لجنة التربية النيابية من الاتجاه السياسي نفسه؟

الخلاصة: بناء الدولة أساسها القانون والقانون هو بالضرورة «لا شخصي»

إن وثيقة الوفاق الوطني تقع في المرتبة الدستورية، وإن لم تكن دستورًا. وما كان يجب أن ينجم عنها هو سلسلة من القوانين والمراسيم في الأمور شتى التي طرحتها، وهي، كما ذكرنا، طرحت أمورًا أساسية بغض النظر عن مدى ملاءمتها كنص لطبيعة المشكلات المطروحة. وهذه القوانين والمراسيم المنشودة كان يفترض أن ينجم عنها سلسلة من التدابير الرامية إلى حسن تحقيقها.

لكن كل شيء جرى وكأن «الإصلاحات» المنشودة سارت، عمليًا، في الأوعية المتصلة للعلاقات بين القوى السياسية المسيطرة والنافذة والمؤثرة، ولكيفية فهمها لما ورد في الوثيقة. وفي وقت ترفع فيه كل من القوى المسيطرة على حدى شعار «بناء الدولة» فإنها تفهم بهذا الشعار أن تكون هي موضع ثقة الآخرين، أي هي التي تبني الدولة (وهو أمر ترفضه طبعًا القوى الأخرى). وينحل هذا الانسداد عادة بالتوافق على تقاسم الحصص!

ليس اختراعًا القول إن المنطق الحقيقي لبناء الدولة هو سن القوانين التي تحدِّد الشروط العامة للمساواة والعدالة والتطوير والتحسين (عمومية القانون ولا شخصيته). لقد أغفلت القوى السياسية بصورة صارخة التشريع، وعندما سنحت لها الفرصة، قامت بتشريع الوضع القائم (الشخصي، أي حيث يوضع التشريع على قياس القوى النافذة)،أو بتشريع التخلُّف (المجالس التنفيذية في الجامعة اللبنانية، المعلمون في التعليم العام، تفريغ وتعيين أساتذة الجامعة اللبنانية، إلخ). وقد رفدها في ذلك «أصحاب المصلحة» الذين تكوَّنوا من السياسات نفسها، والهيئات النقابية المنخرطة فيها أو التي لم تجد مهربًا من التحدث باسم أصحاب المصلحة، فيما ظلت القوى الإصلاحية مشتتة ومهمشة.

ربما كان اتفاق الطائف علامة فارقة على حصول تغيُّر في إقرار هوية لبنان وفي النظام السياسي، لكن في أمر الإصلاح (في القطاع التربوي على الأقل) جرت الأمور وكأن النظام القديم (الذي يعود إلى الستينيات) مليء بمواد النزاع الذي ساد في فترة الحرب وتسوياته في الفترة التي تلتها، بخلاف ما ورد في ظاهر نص اتفاق الطائف.


[1]– وثيقة الوفاق الوطني ص 14 – 15

[2]– ينص الدستور الأردني مثلا على ما يأتي: “تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكانياتها وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص  لجميع الأردنيين” (مادة 6) و”التعليم الابتدائي إلزامي للأردنيين وهو مجاني في مدارس الحكومة” (مادة 20).          وينص دستور  مصر على ما يأتي: “التعليم حق تكفله الدولة، وهو الزامي فى المرحلة الابتدائية، وتعمل الدولة على مد الإلزام إلى مراحل أخرى، وتشرف على التعليم كله، وتكفل استغلال الجامعات ومراكز البحث العلمي، وذلك كله بما يحقق الربط بينه وبين حاجات المجتمع والإنتاج” (مادة 18)، “التعليم في مؤسسات الدولة التعليمية مجاني في مراحله المختلفة” (مادة 20).

[4]– أنطون، جوزف، وأبو رجيلي  خليل، عائدات النظام التربوي في لبنان للسنة الدراسية 1972 – 1973، بيروت، المركز التربوي للبحوث   والإنماء،1975، ص 89.

[5]– الأمين، عدنان (2000)، “الوضع التربوي في لبنان ومعالم السياسة التربوية فيه”، في: الدراسات التحليلية لنتائج مسح المعطيات الإحصائية للسكان والمساكن- الجزء الثالث، الأوضاع الاقتصادية والتربوية والبيئية، وزارة الشؤون الاجتماعية – صندوق الأمم المتحدة للسكان، ص ص 24 –  117.

[6]– القانون الرقم 686 (تاريخ 16/3/1998) الذي عدّل المادة 49 من المرسوم الاشتراعي الرقم 134/59 المتعلق بوزارة التربية.

[7]– نشرت الصحف بتاريخ 14/1/2010 أن لجنة التربية الوطنية والتعليم العالي والثقافة أقرت مشروع قانون الزامية التعليم الرسمي للفئات العمرية لسن الـ 15 وما دون.

[8]– المرسوم الرقم 3252، تاريخ 5/5/1972

[9]– احدثت وزارة للتعليم المهني والتقني بموجب القانون الرقم 211 تاريخ 2/4/1993، وأعيد دمجها في وزارة مع التعليم العام والعالي والمهني والتقني، وفصلت عنها الثقافة والرياضة والشباب، بموجب القانون الرقم 247، تاريخ 7/8/2000.

[10]–   المرسوم الرقم 1833 تاريخ 16/3/1979، والمعدَّل بالمرسوم الرقم 11185 تاريخ 21/10/1997 والمرسوم 3763 تاريخ 31/12/1980

[11]–   المرسوم الرقم 2636 تاريخ 22/8/1985

[12]–   من المتعارف عليه في التشريع اللبناني أن يؤخذ الأُول في مباراة معينة، ثم تجري مباريات ثانية وثالثة إلخ… لاختيار الأُول في كل مرة وفق الحاجة. وما حدث فعلا أنه وضع قانون خاص (رقم 314 تاريخ 9/4/2001) شرَّع انتقاء المرشحين للالتحاق بالكلية من لائحة واحدة تباعًا على أساس مباراة واحدة جرت قبل عدة سنوات. لذلك صدر المرسوم الذي عيَّن المستفيدين من هذا القانون (رقم 7654 تاريخ 22/3/2002) “خلافاً لرأي مجلس الخدمة المدنية الصادر بكتابه الرقم 2940 تاريخ 3/10/2001”.

[13]–   الرقم 442 تاريخ 29/7/2002

[14]–   ورد في عدد جريدة النهار بتاريخ 23/1/2010 ما يأتي: “ولفت (وزير التربية والتعليم العالي) إلى ما وعد به متعاقدي الأساسي الذين رسبوا في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، أنه شكل لجنة من كل الجهات المعنية وقد بدأت العمل، علماً أن من سيخضعون للإعداد والتأهيل يبلغ عددهم 12 ألف متعاقد وقد أعطى اللجنة مهلة شهرين ونصف لانجاز كل التفاصيل. وأضاف: “لا يمكن أحد دخول الملاك من دون امتحان”.

      كما ورد في الخبر نفسه ما يأتي “توضيحاً لما أثاره المتعاقدون في التعليم الأساسي الذين رسبوا في مباراة مجلس الخدمة المدنية والذين قرروا الاعتصام يوم الاربعاء المقبل، أوضح المكتب الاعلامي لمعالي وزير التربية والتعليم العالي الآتي:

      – منذ اللحظة الأولى لصدور نتائج مباراة التثبيت التي أجراها مجلس الخدمة المدنية للمتعاقدين في التعليم الأساسي، أعلن وزير التربية من باب حرصه على المعلمين وعلى المدرسة الرسمية، أنه سيخصص فرصة جديدة للمعلمين الذين لم يوفقوا في النجاح في تلك المباراة، عبر إجراء مباراة جديدة في نهاية هذا العام على أن تسبقها دورة إعداد وتأهيل ما يوفر للمعلمين فرصة أكبر للفوز في المباراة الجديدة.

      – يشكل الوزير تنفيذا لما تعهد لهم لجنة خاصة لدرس مشروع الدورات التأهيلية للمتعاقدين في مرحلة رياض الأطفال ومرحلة التعليم الأساسي بالقرار الرقم 1880/م/2009 تاريخ 24/12/2009 تضم ممثلين للوزارة والمركز التربوي للبحوث والإنماء وكلية التربية في الجامعة اللبنانية والمفتشية العامة التربوية، مهمتها إعداد مشروع خاص بالدورات التأهيلية للمتعاقدين المذكورين، وتحديد المقررات والمواد (…)

      – باشرت اللجنة عملها وعقدت اجتماعات وقطعت شوطًا كبيرًا في إعداد مشروع الدورة وستسلمه في أقرب فرصة. لذلك يأمل المكتب الاعلامي لوزير التربية والتعليم العالي أن يكون المتعاقدون والرأي العام والإعلاميون على اطلاع وثيق ودقيق بكل التقدم الحاصل في ملف معالجة مسألة المتعاقدين، وبالتالي فإن ما وعد به الوزير المتعاقدين في طريقه إلى الإنجاز (…)”.

[15]–   وزارة التربية والتعليم العالي، التوجهات الاستراتيجية للتربية والتعليم في لبنان للعام 2015، ص 34-35

[16]–   مرسوم اشتراعي رقم 122، صادر في 30/6/1977 (تعديل بعض احكام قانون تنظيم الجامعة اللبنانية)

[17]–   مرسوم رقم 810، صادر في 5/1/1978

[18]–   http://www.ul.edu.lb/arabic/adresse.htm

[19]–   من بين ما نشر في الصحف ما يأتي:

      *  أعلن حزب الكتائب اللبنانية رفضه المطلق لما تضمنه مشروع القانون الجديد للجامعة اللبنانية، وأكد سعيه الى العمل بكل الوسائل لإسقاطه من خلال تنسيق المواقف مع كل الاطراف السياسية والحزبية وأساتذة الجامعة وطلابها في ضوء الأخطار المترتبة على مستقبل الفروع الثانية والمستوى الأكاديمي للجامعة. ناقش المكتب السياسي الكتائبي في اجتماعه الدوري الأسبوعي الذي انعقد برئاسة رئيس الحزب كريم بقرادوني وحضور كامل الأعضاء تقريرًا وضعه المجلس التربوي في الحزب عما يجري تداوله حول عناوين مشروع القانون الجديد للجامعة والأخطار المترتبة على صعيد الفروع الثانية في ضوء الهيكلية الجديدة المطروحة. (…). وأصدر المكتب السياسي في نهاية الاجتماع توصية سيحملها ممثلو الحزب إلى الأطراف المعنية بمشروع القانون الجديد، هذا نصها: “يرفض حزب الكتائب اللبنانية أي مشروع قانون جديد للجامعة اللبنانية لا يلحظ بوضوح مجمعًا جامعيًا كاملاً للفروع الثانية أسوة بالمجمعات الأخرى في سائر المناطق، وذلك تأمينًا للإنماء الثقافي المتوازن واللامركزي في التعليم الرسمي العالي كما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني”. (جريدة النهار 22/3/2006).

      * “اجتمع ممثلو فاعليات نقابية وأكاديمية وسياسية من مختلف فروع الجامعة اللبنانية، وتداولوا مضمون مشروع القانون الجديد للجامعة اللبنانية وظروف الدعوة لمناقشة المشروع وشكله، وأصدروا بيانًا أكدوا فيه أن الأولوية في المرحلة الراهنة تتمثل بالإفراج الفوري عن مشروع قانون المجالس الأكاديمية، وتم الوعد القاطع من قبل المسؤولين بالإقرار النهائي لمشروع القانون في مجلس النواب بعد إضرابات متعددة. ورفض المجتمعون مناقشة أي قانون إلا في إطار مجلس الجامعة والمجالس الأكاديمية الشرعية وهو ما نصت عليه المادة 17 من القانون 75/67. فلا شرعية للمدعوين إلى مناقشة المشروع ولا آلية واضحة للوصول إلى نتائج عملية إذا كان هناك إرادة جادَّة للوصول إلى نتائج لمصلحة الجامعة والوطن. وأكدوا ضرورة تعاون جميع المخلصين من الأساتذة ومن كل أهل الجامعة، للقيام بورشة مفتوحة للوصول إلى التصور الأفضل لتحقيق قانون جديد للجامعة. وطالبوا “القوى السياسية والنقابية والأكاديمية من داخل الجامعة وخارجها بتحمل المسؤوليات كاملة في العمل الحقيقي لتأمين الخلاص للمؤسسة التي تؤمن التعليم العالي لاكثر من نصف طلاب لبنان”. وختم البيان بالإشارة إلى أن رفض المشروع المطروح للنقاش يرتكز على مآخذ كثيرة سيتم عرضها في مراحل لاحقة”. (جريدة السفير 23 /3/2006)

        * “لم ينجح وزير التربية والتعليم العالي الدكتور خالد قباني بجمع أساتذة الجامعة اللبنانية حول مشروع الجامعة الجديد، ويبدو أنه لم يقنعهم بضرورة المشاركة في جلسات الحوار الأربع التي انطلقت أمس. ويمكن القول إنه على الرغم من اعتراض عدد كبير من المشاركين في ورشة العمل في الأونيسكو أمس على المشروع، أو ملاحظاتهم على بعض بنوده، فإن الحضور قد اقتصر على مؤيّديه، إضافة إلى أن غالبية العمداء معارضي المشروع قاطعوا المناقشات ورفضوا المشاركة في صوغ قانون جديد من دون أن يمرّ عبر مجلس الجامعة. وقد أعلن كل من الأساتذة المنتمين الى “التيار الوطني الحر” و”الحزب الشيوعي” و”حركة أمل” و”حزب الله” و”الكتائب” إضافة إلى فاعليات الفروع الثانية والأولى، باستثناء “تيار المستقبل”، مقاطعتهم الجلسات في بيانات أصدروها عشية انطلاق الجلسات. أما المعارضون الذي شاركوا، فيمكن تصنيفهم في خانة المنتمين إلى “المعارضة الإيجابية” التي تحدَّث عنها رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة الدكتور حميد الحكم، الذي كان حاضرًا أمس أيضًا على الرغم من تمنّي أعضاء الرابطة عليه عدم الحضور بعد البيان الذي أصدروه أمس الأول”. (راغدة بهنام، جريدة صدى البلد، 25/3/2006)

[20]–   الأمبن، عدنان، بيضون، أحمد، حداد، انطوان، شاوول، ملحم، ونور الدين، خليل (1999)، قضايا الجامعة اللبنانية وإصلاحها، بيروت، دار النهار والهيئة اللبنانية للعلوم التربوية.

[21]–   ندوة العمل الوطني (1997)، الجامعة اللبنانية واقعها ومستقبلها.

[22]–   الأمين، عدنان وغيره (1999)، ص 79

[23]–   نشرت جريدة السفير كلامًا منسوبًا الى منسق اللجنة المكلفة من رئيس الجامعة بمناسبة التعليق على المشروع الذي نوقش العام 2006 جاء فيه: أوضح عميد كلية السياحة في الجامعة اللبنانية د. محمد شيا (منسق اللجنة المكلفة من مجلس الجامعة إعداد قانون جديد للجامعة اللبنانية) أن مشروع القانون الجديد الذي أعدّته اللجنة المكلفة من قبل وزير التربية والتعليم العالي د. خالد قباني والذي نشرته “السفير” الخميس الماضي، قد سبقه مشروع آخر أعدّته لجنة خاصة مكلفة من مجلس الجامعة، وقد رفع المشروع يومذاك إلى وزارة الوصاية بعد نقاش مستفيض في مجلس الجامعة. ولفت إلى أن “السفير” لم تشر في تقديمها للقانون الجديد عن وجود لجنة مكلفة رسمياً من مجلس الجامعة ورئيس الجامعة السابق د. ابراهيم قبيسي، ولا الى أسماء اللجنة السابقة التي عملت طويلاً على الموضوع نفسه، وعقدت ثلاثين اجتماعاً موثقاً، ولأكثر من مئة ساعة من النقاش، والعمل، ومثلها في التحضير. (…) وختم مرحبًا بكل مشروع قانون جديد للجامعة سواء أعدته اللجنة المكلفة من مجلس الجامعة أو اللجنة الجديدة المكلفة من الوزير، لا فرق.(جريدة السفير 21/3/2006)

[24]– صدر في هذا الوقت مرسوم نظام الاجازة – الماستر – الدكتوراه، الموازي للنظام الاوروبي (LMD)، كما انشئت معاهد للدكتوراه في الجامعة، تمثلا بالنظام الفرنسي، لكننا لن نتوقف عندهما تجنبًا للإطالة.

[25]– راجع الهامش 19 أعلاه حول المطالبة بإصدار هذا القانون

[26]–   في هذا الوقت عجزت الجامعة كما عجز المشرِّع أيضًا عن وضع قانون جديد لما كان يسمَّى “الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية”. وقد جرت أكثر من محاولة في هذا الصدد، لكن نقطة الانطلاق في المشاريع التي وضعت كانت هي نفسها الحاجز الذي منعها من انجاز شيء: مجالس الطلاب في الفروع.

[27]–   من القطاعين الحكومي والخاص، ومن الجامعات والمدارس، ومن المدارس الإسلامية والمسيحية والعلمانية إلخ… وشكَّل أساتذة الجامعة اللبنانية (85 أستاذاً) ربع عدد المشاركين. وزاد عددهم عن مجموع المشاركين من الجامعات الخاصة (53). وبين الجامعات الخاصة احتلت الجامعة الأميركية في بيروت المرتبة الأولى (17). أما بالنسبة لأساتذة التعليم العام فحصة من ينتمون إلى القطاع الخاص (77) كانت أكبر من حصة الذين ينتمون إلى المدارس الرسمية (50). وبالمقارنة بين المدارس الإسلامية والمسيحية الخاصة فالأعداد متقاربة (28 مقابل 27)، علماً بأن حجم المدارس الإسلامية كان أصغر بكثير من حجم المدارس المسيحية في لبنان (حوالى الربع)، ما يعكس الحرص على تأمين التوازن الطائفي. أما المدارس العلمانية المشاركة فمدرسة الانترناشونال كولدج (الانكلوسكسونية)، التي حظيت بنصف الحصة (10 من 20).

[28]–   أنظر الرواية الكاملة في: فريحة، نمر (2003)، المركز التربوي في 1017 يومًا، لا ناشر

[29]–   نشرت الصحف أن وزير التربية والتعليم العالي شكَّل خلال شهر كانون الثاني/يناير 2010 لجنة جديدة لوضع منهج وكتاب التاريخ.

[30]    الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية (2002)، تقييم المناهج التعليمية الجديدة في لبنان، تحصيل تلامذة التعليم العام في لبنان-المرحلة الثانية.

[31]–   برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (2008)

[32]–    UNDP (2003) Achievements of Arab Countries that Participated in the Trends in International Mathematics and Science Study (TIMSS 2003),  http://www.arabtimss-undp.org/admin/UCs/DCE/files/english.pdf

[33]–   المركز التربوي للبحوث والإنماء، النشرة الاحصائية للعامين المذكورين. علمًا بأن مجموع المسجلين في القطاعين معًا ارتفع من 891 ألفًا إلى 911 ألفًا فقط بين العامين المذكورين

[34]–   وزارة التربية والتعليم العالي- مشروع الإنماء التربوي (2007)، الإستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم في لبنان، وثيقة الرؤية، إعداد: الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية ولجنة الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم في لبنان

[35]–   أنظر: بشور، منير، “التعليم العالي في لبنان في المسار التاريخي”، ص ص 15-94، و العويط، هنري: “الترخيص القانوني لمؤسسات التعليم العالي الخاصة”، ص ص 75-166، في: الأمين، عدنان (اشراف) (1997) التعليم العالي في لبنان، بيروت، الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية.

[36]–   المرسوم الرقم 9274 تاريخ 5/10/1996 (تحديد الشروط والمواصفات والمعايير المطلوبة للترخيص بإنشاء مؤسسة خاصة للتعليم العالي أو باستحداث كلية أو معهد في مؤسسة قائمة) و المرسوم الرقم 8864 تاريخ 26/7/1996 (شروط الترخيص بإنشاء معهد جامعي لتكنولوجيا)

[37]–   المرسوم الرقم 9278 تاريخ 5/10/1996 بإنشاء بعض الجامعات والكليات والمعاهد الجديدة

[38]–   في زيارة “ترويجية” قام بها وزير أسبق للتربية والتعليم العالي (وهو نفسه الذي وضع أحجارًا لفتح مدارس جديدة وفتح شعبًا للمدارس القائمة وأوقف منهج التاريخ وكتبه) إلى عدد من دول الخليج العربي رُوي أنه كان يَعِدْ أمام جمهور المستفيدين من طلاب وأهالي وفعاليات بحل أي مشكلة و”تظبيط” الأمور، ما أدى إلى ترويج معكوس.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

EN