السفير د. هشام حمدان
أخيرا، وبعد تحضيرات إستمرّت عدّة أشهر، تمكّنت مجموعة من الإخصائيين من مختلف مناطق لبنان وطوائفه، من إنجاز كلّ الترتيبات اللازمة، وإقامة حفل لإطلاق “المنظمة اللبنانية لبناء السلام والتنمية المستدامة.”
جرى الإحتفال في فندق ومنتجع غولدن ليلي في العبادية – عاليه، وذلك بحضور حشد من الإخصائيين المهتمين الذين استجابوا لدعوة مؤسّسي المنظمة، من دبلوماسيين ورجال دين وإخصائيين في الحقول الوطنية المختلفة.
تختلف هذه المنظمة عن باقي الجمعيات غير الحكومية القائمة في لبنان. فالمنظمة لا تهدف إلى شحذ المساعدات والهبات وغيرها. ثمة عشرات الجمعيات الأهلية التي تقوم بهذا الواجب. كما أنها لا تهدف إلى إقامة محافل للمراجعة النظرية لأسباب المشاكل السائدة في البلاد. ثمة العديد من الهيئات المحلية التي تقوم بهذا العمل. لهذه المنظمة هدفا محددا قائما على أساس مبدأ “بناء السلام بعد النزاع” الذي تبنّته الأمم المتّحدة، كإحدى المبادئ التي اعتمدتها الأمم المتّحدة لحفظ الأمن والسلم الدوليين في النظام الدولي الجديد، والذي قام بعد انتهاء الحرب الباردة.
كان مجلس الأمن قد طلب من أمين عام الأمم المتحدة في جلسته المنعقدة في كانون الأول 1992، على مستوى قمة الدول الأعضاء فيه، أن يحدّد المبادئ الواجب احترامها في نظام العلاقات الدولية لحفظ الأمن والسلم الدوليين. وبالفعل أصدر الأمين العام مفكرته من أجل السلام، ثم أضاف ملحقا لها، فعرض لخمسة مبادئ، من بينها: مبدأ بناء السلام بعد النزاع في الدول التي تعرّضت للحروب، ولاسيما الحروب الأهلية، فدمّرت أنظمتها الوطنية وتباعد سكانها. وقد شرح الأمين العام في حينه، أنه لا يمكن حفظ الأمن والسلم الدوليين ما لم تتمّ مساعدة مثل هذه الدول على إزالة الأسباب التي أدّت بها إلى الحروب الأهلية، ومساعدتها في إعادة بناء نظمها الوطنية، بما يتوافق مع القواعد القانونية الدولية المرعيّة.
لبنان أحد هذه الدول. وقد استقطب كما باقي الدول التي عانت من الحروب، العديد من المساعدات الدولية لإعادة بناء بناه التحتية. لكن هذه المساعدات لم تحقّق للبنان الخروج من نفق الحرب وآثارها. وقد شرح البنك الدولي أن المساعدات التي تقدمها الأمم المتّحدة ليست كافية، ولا هي منتجة. فالمطلوب أولا برنامج كامل يقيم الإصلاحات المنشودة في البنى التنظيمية للنظام في البلاد، مما يزيل اسباب النزاع بين الأهالي، ويساهم في دمج البلد مع حركة العولمة القائمة عالميا. وشدّد على ان هذه الإصلاحات يجب أن يضعها أهل البلاد بأنفسهم، لا أن تفرض عليهم من الخارج.
إستنادا لما سبق، رأت مجموعة من الإخصائيين أنه آن الآوان لإقامة مثل هذا البرنامج الإصلاحي الشامل. واعتبر المؤسسون أن مشاكل لبنان أشبعت تحليل وأراء، وأن المطلوب الآن هو تحويل الصراع الفكري بين أهل البلاد إلى حوار توفيقيّ من خلال مناقشة القواعد القانونية والإجرائية القائمة، وصياغة الإصلاحات الواجبة لإزالة كل أسباب الشقاق والخلاف بين المواطنين، وإعادة الإستقرار والأمن إلى ربوع الوطن، ودفع عملية التنمية المستدامة فيه.
تعتمد هذه المهمة قبل كل شيء على الأرادة الوطنية الجامعة لكل اللبنانيين من أجل الخروج من الحالة المأساوية السائدة. ويأمل أعضاء المنظمة بأن يشارك الجميع في عملية الصياغة. ولا تدّعي المنظمة بأنها تقوم مقام المجلس النيابي في هذا الأمر، لكنها تضع خبرة الخبراء والإخصائيين في خدمة المشرّع اللبناني. فالمنظمة ستقوم لهذا الغرض، بإشراك الخبراء اللبنانيين، المقيمين والمغتربين، في هذا النشاط الصياغي. ومن المفروض دائما، التوصّل إلى نتيجة إيجابية في مثل هذا النشاط المحدّد. لقد جلس مندوبو أكثر من ماية وتسعين دولة يفاوضون على صياغة الأحكام الدولية التي تحكم ممارسات بلدانهم في نظام العولمة الجديد، ونجحوا. ومن الأولى بأبناء الوطن أن يقيموا مفاوضات فيما بينهم، لصياغة الأحكام الوطنية لكافة النظم الوطنية التي يرون أنها تعيد الإستقرار والأمن والإزدهار لبلدهم. هذه المسيرة ستحظى بدعم من المنظمات المتخصصة، ومن الدول الصديقة، وستشكّل نموذجا رائدا يقدّمه اللبنانيون إلى المجتمع الدولي، في تطبيق مبدأ بناء السلام بعد النزاع.
علينا أن نقول للعالم أن اللبناني الذي ابدع في خدمة الشعوب على مختلف مشاربها، يمكنه أن يقدم الحلول للخروج من مأساته. نحن ندرك جيدا مدى الصعوبات التي سنواجهها، لاسيما وأن عددا من الدول الفاعلة، إقليميا ودوليا، جعلت من لبنان ساحة لحروبها ونزاعاتها، غير آبهة بمصير أهله وأولادهم. كما أن اللبنانيين وغيرهم من المستفيدين ماليا من هذه الفوضى المعيشية للسكان، لن بقبلوا بسهولة أن يخسروا مواقعهم. إلا أننا نرجو بأن تغلّب المصلحة العامة وحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي، وأن يتحسس أولياء الأمر عمق المعاناة التي يعيشها شعب لبنان منذ عام 1968، كضحية لهذه الحروب على أرضه. لبنان لا يمكن أن يستمرّ رهينة الحسابات الضيّقة للآخرين، فقد يأتي اليوم الذي لا يمكن التوفيق بينها، فيتحوّل لبنان مرة اخرى إلى ساحة حرب دموية جديدة.
نتطلع إلى تعاون الجميع معنا. نحن نعتمد عل إشتراكات الأعضاء فلن نستجدي مالا من أحد ونريد أن نحافظ على استقلاليتنا وحرية آرائنا. وإلى كل مهتم، نرجو مراجعة صفحة المنظمة وعنوانها LOBPSD.com .